للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا فهمٌ فاسدٌ:

فأمَّا الآية الأُولى: فالمرادُ منها: أنَّ اللهَ معبودٌ في السماءِ مِن أهلها، ومعبودٌ في الأرضِ مِن أهلِها؛ وهذا قولُ أهلِ التفسيرِ (١)؛ كما قاله ابنُ عبد البَرِّ (٢)، وقال: "وما خالَفَهُمْ في ذلك أحدٌ يُحتَجُّ به" (٣).

وأمَّا الآيةُ الثانيةُ: فالمرادُ بها: معيَّةُ اللهِ وعلمُهُ بعبادِه؛ ودليلُ ذلك قولُهُ تعالى في آخِرِ الآية: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة: ٧]؛ فالأمرُ يتعلَّقُ بالعلمِ الذي يَتْبَعُهُ إنباءٌ، وقد أنكَرَ أحمدُ بنُ حنبلٍ على مَن استدَلَّ بهذه الآيةِ وأخَذَ أوَّلَها، وترَكَ آخِرَها الذي يُتِمُّ المعنى ويدُلُّ عليه (٤).

ومِن شُبُهاتِ بعض المعطِّلةِ للعلوِّ والاستواءِ مِن متكلِّمةِ المغرِبِ: ما استشكَلَهُ سليمانُ الفرَّاءُ بقولِهِ: "أين كان ربُّنا إذْ لا مكانَ؟ " (٥):

وهذا السؤالُ يُجِيبُ عن نفسِهِ بالبطلانِ؛ فإنَّه لا يُسأَلُ بـ "أَيْنَ" إلا عندَ وجودِ المكانِ، وعند عدَمِ وجودِه، فيجبُ أن يكونَ السؤالُ بـ "أَيْنَ" غيرَ موجود، ولا يُسأَلُ بـ "مَتَى" إلا عند وجودِ الزمانِ، وأمَّا عندَ عدمِ وجودِه، فالسؤالُ يجبُ عدَمُ وجودِهِ مِن بابِ أَوْلى.

وقد رَدَّ ابنُ الحَدَّادِ على الفرَّاءِ بنفيِ سؤالِهِ وبُطْلانِه، وأنَّ الصوابَ


(١) انظر: "تفسير ابن جرير" (٢٠/ ٦٥٩ - ٦٦٠).
(٢) في "التمهيد" (٧/ ١٣٤).
(٣) في "التمهيد" (٧/ ١٣٩).
(٤) "الرد على الجهمية والزنادقة" (ص ١٥٤).
(٥) "طبقات علماء إفريقية" (ص ١٩٩).

<<  <   >  >>