للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أمَّا بطلانُه عقلًا: فإنه لا يَصِحُّ أن يَحوِيَ الشيءُ ويُحيطَ بما هو أكبَرُ منه، وهذا معلومٌ في كلِّ المحسوسات، فلا يُمكِنُ أن تُتصوَّرَ إحاطةُ الأرض بالسموات، ولا إحاطةُ النَّمْلَة بالجَبَل، ولا إحاطةُ الذَّرَّةِ بكَفِّ الرجلِ يَقبِضُها، فإذا كان دافعُ النُّفَاةِ توهُّمَ الإحاطة كما في المخلوقات فهذا غيرُ لازمٍ حتى فيها، مع أنَّ اللهَ ليس كمِثلِه شيء، والسمواتُ تُحيط بالأرضِ ولكنَّ الأرضَ لا تُحيط بها، فإذا كان الله تعالى أكبَرَ مِن كل المخلوقات مجتمعةً، فكيف يُقَالُ بإحاطتِها به عقلًا، ويُروى في الحديث: (مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الكُرْسِيِّ، إلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ العَرْشِ عَلَى الكُرْسِيِّ، كَفَضْلِ تِلْكَ الفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الحَلْقَةِ) (١)، ويُروى في بعضِ ألفاظِه: (وَمَا جَمِيعُ ذَلِكَ فِي قَبْضَةِ اللهِ -عز وجل- إِلَّا كَالحَبَّةِ وَأَصْغَرُ مِنَ الحَبَّةِ فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزُّمَر: ٦٧]) (٢)، وللحديثِ طُرُقٌ وألفاظٌ تَدُلُّ أن له أصلًا.

- وأما بطلانُه شرعًا: فلأنَّ الله ليس كمِثْلِه شيءٌ في ذاتِه، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، فكلُّ ما أخبَرَ اللهُ به عن نَفْسهِ فيجبُ إثباتُه له على الحقيقة، والتوقُّفُ عن لوازِمه التي تقتضي التشبيه، فإذا لم يُشبِهْهُ أحدٌ في ذاته فكيف يُشبِهُه أحدٌ في صفاتِه ولوازمِ صفاته؟ ! ولو أنَّ أذهانَ المعطِّلة خَلَت مِن القياسِ لَخَلَتْ مِن التعطيل.


(١) ابن حبان (٢/ ٧٦).
(٢) "العظمة" لأبي الشيخ (٢/ ٦٣٥).

<<  <   >  >>