للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التابِعِينَ: كانوا لا يذكُرُونَ خلافَ الصحابة، وإنَّما تفرَّغ لأكثرِهِ أهلُ سِيَرٍ وأخْبارِيُّونَ، فنقَلُوا وزادُوا ونقَصُوا، ومِن فِقْهِ سعيدِ بنِ المسيَّبِ قولُهُ: "لقد رأيتُ عَلِيًّا وعُثْمانَ يَسْتَبَّانِ سِبَابًا ما أخبَرْتُ به أحدًا بَعْدُ" (١).

وقد كان أحمدُ يعتزِلُ مجلِسَ عبد الرَّزَّاقِ إذا حدَّث بأحاديثِ الخلافِ بين الصحابة، فإذا انتَهَى، رجَعَ، وربَّما وضَعَ إِصبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ طويلًا، حتى مَرَّتْ بعضُ الأحاديثِ، ثم يُخرِجُهما، ثم يَرُدُّهُما ... حتَّى مَضَتِ الأحاديثُ كلُّها (٢)؛ لا يُرِيدُ أن يَعلَقَ بقلبِهِ شيءٌ منها.

وأكثرُ تلك الأحاديثِ ليس فيها أحكامٌ وعَمَلٌ، وإنَّما هي حكاياتٌ وأقوالٌ وأفعالٌ لقَرْنٍ فاضِلٍ انصرَمَ، ويُستَثْنَى مِن ذلك: ما يتضمَّنُ فِقْهًا وحلالًا وحرامًا، وكان أحمدُ يقولُ: "لا أُحِبُّ لأحدٍ أن يكتُبَ هذه الأحاديثَ التي فيها ذِكْرُ أصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لا حَلَالٌ ولا حَرَامٌ ولا سُنَنٌ" (٣).

وتعرُّضُ الصحابةِ بعضِهم لبعضٍ، ليس كتعرُّضِ غيرِهم لهم؛ فهم مجتهِدُونَ، وفي منزِلةٍ وفضلٍ عالٍ، ولدَيْهِم مِن العمَلِ الصالحِ العظيمِ مِن صُحْبةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: ما يُوجِبُ تكفيرَ ذنوبِهم، وليس لدى مَن بَعْدَهم مِن الحَسَناتِ ما يَقْوَى على تكفيرِ الوَقِيعةِ في أعراضِ الصحابةِ، إلا أن يَشَاءَ اللهُ.

ولمَّا كاد الوليدُ أن يقَعَ في عائشةَ، ذكَّره الزُّهْريُّ بقولِ أبي مسلِمٍ الخَوْلانيِّ لأهلِ الشامِ؛ لمَّا أرادوا الوقيعةَ في عائشةَ: "أَلَا أُخبِرُكُم بمَثَلِكُمْ ومَثَلِ هذه؟ ! كمَثَلِ عينَيْنِ في رأسٍ يُؤذِيَانِ صاحِبَهما، ولا يستطِيعُ


(١) "السُّنَّة" لعبد الله (١٢٩٧ و ١٢٩٨).
(٢) "السُّنَّة" للخلال (٨٠٣).
(٣) "السُّنَّة" للخلال (٨١١).

<<  <   >  >>