للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تمثيل، وقد بيَّن ابنُ أبي زيدٍ ثبوتَ ذلك حقيقةً؛ كما هو ظاهِرُ كلامِهِ في "الجامع"؛ حيثُ قال: "وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَضَعُ كُرْسِيَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِفَصْلِ القَضَاءِ" (١). وإثباتُ المجيءِ والإتيان، والنزولِ لله، حقيقةً تليقُ به، لا يَلزَمُ منه التشبيهُ.

وربَّما جرَى بعضُ أهلِ السُّنَةِ على الأصولِ الكلاميَّةِ؛ فجعَلُوا لوازمَ لا دليلَ عليها إثباتًا ونفيًا، عند إثباتِ المجيءِ والإتيانِ والنزولِ؛ كالحَرَكةِ والانتقالِ وخُلُوِّ العرشِ؛ فأرادُوا تنزيهَ اللهِ عن تلك اللوازم؛ فرجَعُوا إلى ما أثبَتَهُ الشرعُ، فتأوَّلوه.

والحقُّ: الإمساكُ عن تلك اللوازم؛ فكونُها لازِمةً للمخلوق، لا يجوِّز الخوضَ فيها في حقِّ الخالق؛ فمَن لا يُشبِهُهُ شيءٌ في صفاتِهِ لا يُشبِهُهُ شيءٌ في لوازمِها.

واستنكارُ ابنِ عبد البَرِّ للفظةِ: "إنَّه يَنزِلُ بذاتِهِ" في "الاستذكار"، مِن هذا البابِ؛ قال: "وقد قالت فِرْقةٌ منتسِبةٌ إلى السُّنَّة: إنه يَنزِلُ بذاتِهِ؛ وهذا قولٌ مهجورٌ؛ لأنه تعالى ذكرُهُ ليس بمَحَلٍّ للحَرَكاتْ، ولا فيه شيءٌ مِن علاماتِ المخلوقاتْ" (٢).

ومثلُهُ: قولُهُ في "المجيءِ" في كتابِهِ "التمهيد": "وليس مجيئُهُ حَرَكةً، ولا زوالًا، ولا انتقالًا؛ لأنَّ ذلك إنما يكونُ إذا كان الجائي جسمًا" (٣)؛ وهذا مِن ابنِ عبد البَرِّ هو قولُ أبي الحسَنِ في "الرسالةِ إلى أهلِ الثَّغْر" (٤).


(١) "الجامع" (ص ١٠٨).
(٢) "الاستذكار" (٨/ ١٥٣).
(٣) "لتمهيد" (٧/ ١٣٧).
(٤) "رسالة إلى أهل الثغر" (ص ٢٢٧).

<<  <   >  >>