للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حكى أبو الحسَنِ الأشعَرِيُّ الإجماعَ على إثباتِ المجيءِ للهِ يومَ القيامةِ؛ كما في "رسالتِهِ إلى أهلِ الثَّغْر" (١).

وقد رَوَى حنبلٌ عن أحمدَ: أنَّه تأوَّل المجيءَ بمجيءِ قُدْرَتِه، وأنَّ الإتيانَ إتيانُ أمرِهِ.

ولم يَرْوِ ذلك عن أحمدَ أحدٌ غيرُه، وقد أنكَرَهُ عليه بعضُ الأصحابِ؛ لأنَّه لا يَجرِي على أصولِه؛ قال أبو إسحاقَ بنُ شَاقِلَّا: "هذا غلَطٌ مِن حنبَلٍ، لا شَكَّ فيه"، وأراد أبو إسحاقَ بذلك: أنَّ مذهبَهُ حملُ الآيةِ على ظاهرِها في مجيءِ الذاتِ؛ هذا ظاهِرُ كلامِه (٢).

وهذا لو صَحَّ عن أحمَدَ، فليس هو يَجْرِي على أصولِ أهلِ التأويل؛ لأنَّ أصولَ أحمدَ: الإثباتُ لأفعالِ اللهِ الاختياريَّةِ على وجهِ الحقيقة.

وربَّما استحضَرَ نفاةُ الأفعالِ الاختياريَّةِ للهِ كيفيَّةً معيَّنةً؛ فحمَلَهُمْ ذلك على التأويلِ أو التعطيلِ.

وقد سَمِعَ الإمامُ أحمدُ قاصًّا يَروِي حديثَ النزولِ، ويقولُ: "بلا زَوَالْ، ولا انتقالْ، ولا تغيُّرِ حالْ، فارتعَدَ أحمدُ، واصفَرَّ لَوْنُه، وقال لابنِهِ عبد اللهِ: قِفْ بنا على هذا المتخرِّصِ، فلمَّا حاذاهُ، قال: يا هذا؛ رسولُ اللهِ أَغْيَرُ على رَبِّهِ مِنْكَ؛ قُلْ كما قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"، وانصرَفَ (٣).

والإتيانُ والمجيءُ للهِ يُثبَتُ حقيقةً تليقُ به، بلا تأويلٍ ولا تكييفٍ


(١) "رسالة إلى أهل الثغر" (ص ٢٢٧).
(٢) "إبطال التأويلات" (١/ ١٣٢)، و"مجموع الفتاوى" (١٦/ ٤٠٤ - ٤٠٦).
(٣) "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص ١١٠).

<<  <   >  >>