للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا في النصارى كذلك؛ فقد ذكَرَ لُويس الرابعَ عشَرَ في "مذكِّراتِه": أنَّ سُلْطةَ الملوكِ مستمَدَّةٌ مِن اللهِ، وهم مسؤولُونَ أمامَهُ وحدَهُ، لا مِن الشَّعْب، وكان يقولُ: "المَلَكيَّةُ وَكَالةٌ إلهيَّةٌ"! وبنحوِه يقولُ لُويس الخامسَ عشَرَ (١)، وكذلك غُلْيُومُ الثاني قيصَرُ ألمانيا (٢).

ويقابِلُ تلك النفوسَ: نفوسٌ تُحِبُّ المخالَفةَ وإظهارَ الشجاعةِ والقُوَّةِ والتمرُّدِ تُجَاهَ كلِّ رأسٍ في الناس، وربَّما يَكسُونَ عِلَّتَهُم النَّفْسيَّةَ بالدِّينِ والاستدلالِ بأدلَّتِه؛ وهذا -كذلك- يُوجَدُ في كلِّ مِلَّةٍ، تَحمِلُ شجاعةُ الإنسانِ وحُبُّ الظهورِ والذِّكْرِ وحَمْدِ الناسِ: على الجُرْأةِ على الحُكَّامِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وإسماعِ الناسِ ما يريدونَ؛ كما يُذكَرُ أنَّ فاكِهةَ مجالسِ العامَّةِ الكلامُ في السلاطينِ، وتَحمِلُهُ شجاعتُهُ لاستدعاءِ مصالِحِ الخروجِ وأدلَّتِهِ وغيابِ مفاسدِهِ وأدلَّتِها، وتحضُرُ في نَفْسِهِ البدايات، وتَغِيبُ عنها النِّهايات؛ فقد يُبتَلَى الإنسانُ بالشجاعةِ في غيرِ موضِعِها؛ كما يُبتَلَى بالجُبْنِ في غيرِ موضعِه، ويَجِبُ على العاقِلِ أن يجاهِدَ نفسَهُ قبلَ أن يجاهِدَ بها غيرَه، وإذا اجتمَعَ في الإنسانِ العِلْمُ والتجرُّدُ، أصاب الحقَّ.

والناسُ في حاجةٍ إلى عالِمٍ متجرِّدٍ، لا إلى متجرِّدٍ جاهلٍ، ولا إلى عالِمٍ يَخافُ ويَطمَعُ؛ فالعالِمُ بلا تجرُّدٍ يعطِّلُ الأُمَّةَ بإحجامِهْ، والمتجرِّدُ بلا عِلْمٍ يُهلِكُ الأمَّةَ بإقدامِهْ، وأعظَمُ الشرورِ تأتي إذا قاد الناسَ جاهِلٌ غيرُ متجرِّدٍ!


(١) Barthelemy and duez, deals Ele stration of constitutional Law, Paris, ١٩٣٣, p.٦٥ ..
(٢) في خطابٍ ألقاه عام ١٩١٠ م.

<<  <   >  >>