للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابنِ مَهْدِيٍّ الجهميَّةُ، وأنَّهم يَنفُونَ الصفاتِ، ويقولونَ: "اللهُ أعظَمُ مِن أنْ يُوصَفَ بشيءٍ! "، فقال ابنُ مَهْدِيٍّ: "قد هلَكَ قومٌ مِن هذا الوجهِ" (١).

ووجَدَ أهلُ التفويضِ مِن مُتشابِهِ كلامِ بعضِ الأئمَّةِ؛ مِن إمرارِ أخبارِ الصفاتِ كما جاءتْ: ما يؤيِّدُ ذلك المذهبَ، حتى شاع التفويضُ في المغربِ؛ حتى عدَّه ابنُ خَلْدُونَ في "مقدِّمتِهِ" مذهبًا للسلف، والأقوالُ الباطلةُ مهما بلَغَتْ شناعةً، لا يجوزُ حملُ الناسِ على باطلٍ آخَرَ لأجلِها؛ فلا يُفَرُّ مِن باطلٍ إلى باطلٍ، ولو كان أقلَّ منه، مع إمكانِ بيانِه؛ ولهذا يقولُ أحمدُ بنُ حنبلٍ: "لا نُزِيلُ عنه صفةً مِن صفاتِهِ؛ لِشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ" (٢).

والأئمَّةُ حينما يقولون: "نُمِرُّهَا لَا نُفَسِّرُهَا"، لا يريدونَ بذلك: نفيَ الحقيقةِ، فالتفسيرُ المرادُ به: التكييفُ؛ كما قال أبو عُبَيْدٍ: "إذا قِيلَ: كَيْفَ وضَعَ قَدَمَهُ؟ وكَيْفَ ضَحِكَ؟ قلتُ: لا يُفسَّرُ هذا، ولا سَمِعْنا أحدًا يفسِّرُه" (٣)؛ فجعَلَ السؤالَ عن كيفية الصفةِ سؤالًا عن تفسيرِها.

ومثلُ ذلك: قولُ بعضِ الأئمَّةِ؛ كأحمدَ بنِ حنبلٍ: "لَا كَيْفَ، وَلَا مَعْنَى" (٤)، وليس مرادُهُ بذلك: نفيَ وجودِ الكيفِ، ولكنْ نَفْيَ العلمِ به، وكذلك في نفيِ المعاني: ليس مرادُهُ نفيَ وجودِ المعاني، ولكنْ نفيَ التأويلات الباطِلةِ؛ لأنَّها كانت شائعةً ذائعةً في كثيرٍ مِن البُلْدانِ والمَجالِسِ في زمانِه.

ومِن هذا: قولُ أبي عُبَيْدٍ القاسمِ بنِ سَلَّامٍ؛ قاصدًا المعانيَ الفاسدةَ خاصَّةً: "نحنُ نروي هذه الأحاديثَ، ولا نُرِيغُ لها المعانيَ" (٥).


(١) "إبطال التاويلات" (٢٧).
(٢) "ذم التأويل" (٣٣).
(٣) "الصفات" للدارقطني (٥٧).
(٤) "ذم التأويل" (٣٣).
(٥) "الأسماء والصفات" (٢/ ١٩٢)، و"أقاويل الثقات" (ص ١٧٨).

<<  <   >  >>