للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فربَّما منَعُوا روايةَ حديثٍ صحيحٍ؛ خشيةَ فَهْمِهِ على غيرِ وَجْهِه، وربَّما حظَرُوا إطلاقَ لفظةٍ واردةٍ؛ لأنَّ فهمَ الناسِ قد تَغيَّرَ، ولم يكونوا على السليقةِ الأُولَى؛ فتعامَلُوا مع فهم، لا مع مجرَّدِ النصِّ؛ وهذا مِن الفقهِ والحِكْمة، وربما جاء مزيدُ توضيحِ بإشارةٍ أو عبارةٍ تناسِبُ أذهانَ السامعينَ عند الحديث.

ومِن ذلك: أنه جاء في الإشارةِ باليَدِ إلى عُضْوٍ في الإنسانِ أو غيرِهِ؛ لإثباتِ صفةِ مِن الصفاتِ الإلهيَّةِ؛ وذلك لإثباتِ حقيقتِها، لا للتشبيهِ؛ كما جاء مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ؛ أنه قرَأَ قولَهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ... } [النساء: ٥٨]، إلى قولِهِ تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨]، ثُمَّ قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِه، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَؤُهَا، وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ" (١).

ومرادُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إثباتُ حقيقةِ السمع والبصر، لا التشبيهُ.

وهكذا فَهِمَهُ السلفُ؛ كما قال ابنُ يُونُسَ: "قال المُقرِئُ (٢)؛ يعني: إنَّ اللهَ سميعٌ بصيرٌ؛ يعني: أنَّ للهِ سَمْعًا وبَصَرًا" (٣).

وجعَلَهُ أبو داودَ رَدًّا على المعطِّلة، فقال: "هذا رَدٌّ على الجهميَّة" (٤).

ولم يَجعَلُوهُ حُجَّةً للمشبِّهة، بل هم يَنقُضُونَ قولَهم وَيرُدُّونَهُ؛ فهم يَعرِفُونَ سياقاتِ الأدلَّةِ، والمرادَ منها، والجمعَ بينها وبين بقيَّةِ النصوصِ في الباب.


(١) أبو داود (٤٧٢٨).
(٢) هو: عبد الله بن يزيد المقرئ.
(٣) أبو داود (٤٧٢٨).
(٤) الموضع السابق.

<<  <   >  >>