للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإجمالِ والتفصيل، ولم يكونوا يُوغِلُونَ في التفضيلِ بينهم؛ لعدَمِ قيامِ المُوجِبِ لذلك، ولأنَّهم على الفِطْرةِ الصحيحةِ، ولم تَظهَرِ البدعُ في الوقيعةِ في الصحابةِ والطعنِ فيهم؛ فكانوا يَعرِفُونَ مقاديرَهُمْ وفضلَهُمْ ويَحكُونَه، ويَعرِفُونَ تفاضُلَهُمْ في صدورِهم، وإنْ أمسَكُوا عن التعبيرِ عن ذلك:

كما قال مالكٌ: "إنَّ التفاضُلَ بين الصحابةِ ليس مِن أمرِ الناسِ الذين مضَوْا، وإنما كان مِن هَدْيِهِمُ الإمساكُ عن مِثْلِ هذا" (١).

وقولُ مالك هذا مِن جنسِ قولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَخَيَّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ) (٢)، وقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَخَيَّرُونِي عَلَى مُوسَى) (٣)، وفي حديثٍ ثانٍ، قال-صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) (٤)؛ لأنَّ مِن التفضيلِ ما يَتوهَّمُ به السامعُ نقصَ المفضولِ وعَيْبًا فيه.

وقد كان مالكٌ نفسُهُ يفضِّلُ أبا بكرٍ وعُمَرَ على غيرِهما (٥).

وتفاضُلُ الصحابةِ في بعضِ الخِصَالِ، لا يعني الفَضْلَ المطلَقَ؛ فقد يفضُلُ واحدٌ الصحابةَ في خَصْلةٍ -كالشجاعةِ والكَرَمِ والحِلْمِ- وغيرُهُ أفضَلُ منه؛ ومِن هذا قولُ ابنِ عُمَرَ: "ما رأيتُ أسوَدَ مِن معاوِيةَ! "، فقيل لابنِ عُمَرَ: هو كان أسوَدَ مِن أبي بَكْرٍ؟ قال ابنُ عُمَرَ: "أبو بكرٍ واللهِ أخيَرُ منه، وهو واللهِ أسوَدُ مِن أبي بَكْرٍ! " (٦)، وقال ابنُ عُمَرَ -أيضًا-:


(١) "الاستذكار" (١٤/ ٢٤١ و ٢٤٣)؛ بنحوه.
(٢) البخاري (٢٤١٢ و ٦٩١٦)، ومسلم (٢٣٧٤) من حديث أبي سعيد.
(٣) البخاري (٢٤١١ و ٣٤٠٨ و ٦٥١٧ و ٧٤٧٢)، ومسلم (٢٣٧٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) البخاري (٣٣٩٥)، ومسلم (٢٣٧٧) من حديث ابن عباس.
(٥) "الاستذكار" (١٤/ ٢٤٤)، و"الانتقاء" (ص ٣٥).
(٦) "الآحاد والمثاني" (٥١٦)، و"السُّنَّة" للخلال (٦٧٩).

<<  <   >  >>