للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا كُلُّه غَلَطٌ، وتكلُّفٌ، وتحريفٌ للنصوصِ وتأويلٌ لها لا حَدَّ له؛ فإنَّ التحريفَ المتوهَّمَ بلَغَ القرآنَ وعلى أستارِ الكعبةِ زمَنَ ابنِ أبي دُؤَادٍ؛ حيثُ كُتِبَ عليها: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ"! فأبدَلَها عن قولِهِ تعالى: {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]؛ كُلُّ هذا لِيَنفِيَ صفةَ السمعِ والبَصَرِ عنِ الله؛ فكيف بكلامِ عالِمٍ في مذهبٍ متبوعٍ؟ !

والذي فَهِمَهُ تلامِذةُ ابنِ أبي زَيْدٍ: هو استواءُ اللهِ بذاتِهِ على الحقيقةِ؛ كما قال أبو بكرِ بن مَوْهَبٍ مبيِّنًا مرادَهُ: "ثُمَّ بيَّن أنَّ عُلُوَّهُ فوقَ عَرْشِهِ إنَّما هو بذاتِهِ؛ لأنَّه تعالى بائِنٌ عن جميعِ خَلْقِه ... " (١)، وكان الطَّلَمَنْكِيُّ على هذا الاعتقادِ، وهو مِن أعلَمِ الناسِ بكلامِ شَيْخِهِ يقولُ: "وأنَّ اللهَ فوقَ السمواتِ بذاتِه، مُسْتَوٍ على عرشِه، كيفَ شاءَ" (٢)؛ فقدَّم لفظَ الذاتِ على ذِكْرِ العرشِ؛ لأنه يعودُ إلى الله، بل هذا هو قولُ مالكٍ المنقولُ عنه؛ كما نقَلَهُ أبو نَصْرٍ السِّجْزيُّ عنه؛ أنَّه وغيرَهُ متَّفِقُونَ على أنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- بذاتِهِ فوقَ العرشِ، وعِلْمُهُ في كُلِّ مكانٍ.

وهذا لا يَحتمِلُ غيرَ حَمْلِ استواءِ الذاتِ لله على الحقيقةِ بلا تشبيهٍ، وعلى هذا المعنى حمَلَهُ جملةٌ مِن الأئمَّةِ في المغرِبِ وغيرِه؛ كابنِ جُزَيٍّ في "التسهيل" (٣).

وقد كان جملةٌ مِن المخالِفِينَ لابنِ أبي زَيْدٍ مِن الأئمَّةِ، لم يتأوَّلوا


(١) "العلو" (٥٩٢).
(٢) "بيان تلبيس الجهمية" (١/ ١٨٦ و ٣/ ٣٩٨)، و "العلو" (٥٦٦)، و "اجتماع الجيوش" (٢/ ١٤٢).
(٣) "التسهيل" (١/ ٢٩٠).

<<  <   >  >>