للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقابِلُهُ قولُهُ تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: ١٤٥، وآل عمران: ٦١]؛ فهنا حدوثُ المَجِيءِ لكلامِ الله وهو عِلْمُه، وهكذا يكونُ في الصفاتِ الفِعْليَّةِ؛ مِن الخَلْقِ والرَّزْق، والإحياءِ والإماتة، والقَبْضِ والبَسْط، ثُمَّ إنَّ غضَبَ الله على فِرْعَوْنَ سابِقٌ لغَضَبِهِ على أبي لَهَبٍ.

وكلمةُ: {مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢، والشُّعَراء: ٥] في الآيةِ: لا يرادُ بها المعنى الاصطلاحِيُّ عند المتكلِّمِينَ الذي أصَّلوه على المخلوقاتِ؛ فنزَّلوه على الخالِقِ، فغلَبَ هذا المعنى لدَيْهِم؛ ولهذا كان بعضُ السلفِ يَنهَى عن وصفِ القرآنِ بـ: "مُحدَثٍ"؛ كقَبِيصةَ؛ فقد كان يقولُ: "مَن قال: "مُحدَثٌ فهو يقولُ: إنَّه مخلوقٌ، ومَن قال: إنه مخلوقٌ، فهو كافِرٌ باللهِ" (١).

ومَهْما كان القرآنُ على جهةٍ أو تصريفٍ -مسموعٍ أو مكتوبٍ، أو مقروءٍ أو محفوظٍ أو متدبَّرٍ- فهو كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، ومِن الله، وربَّما يتهيَّبُ الإنسانُ لأجلِ خَيَالِ المماثَلةِ والتشبيهِ مِن قولِ ذلك، فيستبشِعُ الكلامَ بما ورَدَ بالنصِّ؛ ولهذا كان أحمدُ يقولُ لبعضِ أصحابِه: "لا تَجزَعْ أن تقولَ: ذلكَ كلامُ الله مِن الله، ومِن ذاتِ اللهِ" (٢).

وفي خبرِ ابنِ عبَّاسٍ: (أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ) (٣): دليلٌ على أنَّ كلامَهُ غيرُ مخلوقٍ؛ لأنَّ اللهَ لم يَخْلُ مِن الكلامِ والعِلْمِ؛ فلا يقالُ: إنَّ اللهَ لم يتكلَّمْ إلَّا بعدَ خَلْقِ القَلَم، ولكنَّ كلامَهُ غيرُ مخلوقٍ، وهو مِن ذاتِ اللهِ؛ ولهذا لا يُذكَرُ في مخلوقاتِه.


(١) "السُّنَّة" للخَلَّال (١٩٤١).
(٢) "السُّنَّة" للخلال (١٨٤٥).
(٣) ابن أبي شيبة (٣٧٠٢٣ و ٣٧٠٢٤).

<<  <   >  >>