للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطائفةٌ ثالثةٌ: تُثبِتُ المعنى، وتتوقَّفُ عن اللفظ؛ لعدَمِ ورودِه (١).

والإمساكُ عن الزيادةِ على النصِّ أحوَطُ؛ كما فعَلَهُ أحمد؛ وهذا لا يُنافِي الحقيقةَ بإثباتِ النزولِ والتجلِّي للهِ حقيقةً؛ بلا تأويلٍ ولا تشبيهٍ ولا تكييف.

والزيادةُ على النصِّ قد تَدفَعُ صاحبَها إلى تأويلِ صفاتٍ أخرى عن حقيقتِها أو القولِ بما لم يَرِد فيه النَّصُّ؛ كمسألةِ خلوِّ المكانِ عند النزول، فلمَّا سُئِلَ ابنُ المبارَك؛ فقيل له: "كيفَ يَنزِلُ الله؛ أليس يخلو ذلك المكانُ؟ فقال: يَنزِلُ كيفَ شاءَ" (٢)؛ فلم تَدفَعِ ابنَ المبارَكِ زيادةُ السائلِ على النصِّ إلى تأويلِ الصفة، بل أثبَتَها، وأرجَعَ السائلَ إلى مشيئةِ الله، بما تضمَّن تخطِئةَ السائل.

ومَن أثبَتَ صفةَ الاستواءِ والنزولِ على حقيقةٍ تَلِيقُ باللهِ لا كما يَلِيقُ بالمخلوقِ، لا يُبدَّعُ لنفيِ الحَرَكةِ والانتقال، وإنْ كانت السُّنَّةُ الوقوفَ على النصِّ؛ وقد سأَلَ عبدُ اللهِ بن طاهِرٍ إسحاقَ مستَنْكِرًا عن الأحاديثِ التي فيها: يَصعَدُ، ويَنزِلُ؟ فقال إسحاقُ: "تقولُ: إنَّ اللهَ يَقدِرُ على أن يَنزِلَ ويَصعَدَ ولا يَتحَرَّكَ؟ قال: نَعَمْ، قال: فلِمَ تُنكِرُ؟ ! " (٣).

والمتكَلِّمُون يتأوَّلُون النزولَ والمجيءَ وغيرَهما لاستحضارِ ما لا يَرَوْنَ صِحةَ نِسبَتِه للخالق، ولو سَلِمُوا مِن هذا الاستحضارِ المبنيِّ على القياس لصَحَّ لهم الاعتقاد، وكثيرٌ منهم يُظهِرُون التأويل ويَكتُمون التوهُّمات، وهي أصلُ ما ظَهَر مِن تأويلِهم، وكان الأئمةُ يُثبِتون النُّزولَ حقيقةً ويَنُصُّون على بُطلانِ تأويلِهم له؛ كما قال عبدُ القادر الجِيلانيُّ في


(١) الموضع السابق.
(٢) "عقيدة السلف" للصابوني (ص ٥١).
(٣) "شرح أصول الاعتقاد" (٧٧٤)، و"إبطال التأويلات" (٢٢).

<<  <   >  >>