للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّهم يتجدَّدُونَ في الفَهْم، ويتنوَّعُونَ في الآراء؛ لأنَّ إمامَهم: فَهْمُهم! ولكنَّهم يَتَّفِقُون في هذَيْنِ الأصلَيْنِ في كلِّ العصورِ؛ وبهذا استدَلَّ عليهم عليُّ بن أبي طالِبٍ؛ إذْ لمَّا حدَّث بحديثِ الخوارِجِ، قال عن أهلِ النَّهْرَوَانِ: "أَرْجُو أن يكونوا هم؛ فإنَّهم سفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ"؛ رواه مسلم (١)؛ فعضَدَ رأيَهم بكُفْرِ المسلِمِينَ بفِعْلِهم باستحلالِ دَمِهِم، ولم يَبحَثْ صفةً أخرى غيرَ ذلك.

وقد يُطلِقُ الخوارجُ مِن الكلامِ المُجمَلِ ما يوافِقُ الحَقَّ، ولكنَّهم يَضِلُّونَ في تفسيرِهِ وتطبيقِه، ويغتَرُّ بهم العامَّةُ نَظَرًا لأقوالِهم، وإهمالًا لتفسيراتِهم، وقد كان أبو حَمْزةَ المختارُ بن عَوْفٍ الأَزْدِيُّ -أحدُ أئمَّةِ الخوارِجِ في القرنِ الثاني- يقولُ: "الناسُ مِنَّا ونحنُ منهم، إلا عابدَ وَثَنٍ، أو كفَرَةَ أهلِ الكتابِ، أو سُلْطانًا جائِرًا، أو شَادًّا على عَضُدِه" (٢)؛ يتأوَّلُ بذلك حديثَ: (أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي؛ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ ... ) (٣).

ومَن نظَرَ لشِدَّةِ عبادةِ الخوارِجِ، وحُسْنِ كلامِهم، تحيَّر في أمرِهم؛ كما تحيَّرَ في ذلك بعضُ السلف فسأَلَ ابنَ عبَّاسٍ؟ فقال: "ليسوا بأشَدَّ من اليهود والنصارى وهم يَضِلُّون" (٤)، ولمَّا قتَلَ عليٌّ أهلَ النَّهْرَوَانِ، انفَضَّ عنه بعضُ أنصارِهِ لأجلِ ذلك (٥).


(١) مسلم (١٠٦٦).
(٢) "تاريخ خليفة بن خياط" (ص ٣٨٦)، و"تاريخ الطبري" (٧/ ٣٩٦).
(٣) "جامع معمر" (٢٠٧١٩).
(٤) "المصنَّف" لابن أبي شيبة (٨/ ٧٣٤).
(٥) "تاريخ الطبري" (٥/ ٨٩ - ٩٠).

<<  <   >  >>