للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنْ لا تُحبِطُها جميعَها؛ قال سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥].

ولا يَختلِفُ الصحابةُ والتابِعُونَ وأئمَّةُ الإسلامِ في ذلك:

قال مالكٌ: "أهلُ الذنوبِ مؤمِنُونَ مذنِبُونَ" (١).

وقال زُهَيْرُ بن عَبَّادٍ: "كلُّ مَن أدرَكْتُ مِن المشايِخِ -مالكُ بن أنس، وسُفْيانُ بن عُيَيْنةَ، وعيسى بن يُونُسَ، وفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وعبدُ اللهِ بنُ المبارَك، ووَكِيعُ بنُ الجَرَّاح، وغيرُهم- لا يكفِّرون أحدًا بذَنْب، ولا يَشهَدُونَ لأحدٍ أنه في الجَنَّة" (٢).

وقد خالَفَ في هذا البابِ بعضُ الطوائفِ:

- كالخوارجِ والمعتزِلةِ: فسلَبُوا الإيمانَ عن مرتكِبِ الكبيرة.

- وكالمُرجِئةِ: فلم يَجعَلُوا الذنبَ مؤثِّرًا على الإيمان.

وكلُّ هذه الطوائفِ التزَمَتْ بالأصلِ الذي اتفَقُوا عليه: أنَّ الإيمانَ شيءٌ واحدٌ لا يتجزَّأُ: إنْ زال بعضُهُ، زال كلُّه؛ ففرَّطَتْ طائفة، وأفرَطَتْ أُخرى.

والخوارجُ والمعتزِلةُ: محجوجون بما تواتَرَ في النصوصِ مِن إيمانِ مرتكِبِ الكبيرة، ومِن هذا البابِ: أنزَلَ اللهُ أحكامَ الحدودِ على السارقِ والزاني، والقاتِلِ وشارِبِ الخَمْر، ولو كانتْ كفرًا، لكان حدُّها واحدًا؛ وهو الردَّةُ؛ لأنه لا فرقَ عند الخوارجِ في حقيقةِ سلبِ الإيمانِ بين مرتكِبِ الكبيرةِ عندَهم، وفاعلِ الكفرِ الذي يَتَّفِقُونَ فيه مع غيرِهم مِن أهلِ السُّنَّة.


(١) "الجامع" لابن أبي زيد (ص ١٢٣).
(٢) "أصول السُّنَّة" لابن أبي زمنين (ص ٢٢٢).

<<  <   >  >>