للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَبْعةَ عشَرَ تابعيًّا؛ فما سَمِعْتُ أنَّهم قاموا إلى إمامٍ جائِرٍ يَعِظُونَهُ" (١).

وكان حَمْدِيسُ مِن أصحابِ سُحْنُونٍ يُسأَلُ عن الإمامِ الذي يَعمَلُ بالمعصيةِ: أكُنْتَ تأمُرُهُ وتنهاه؟ قال: "لا"؛ واحتَجَّ بقولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: " (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ)، قِيلَ: كَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قالَ -صلى الله عليه وسلم-: (يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ) " (٢)، ثم ذكَرَ عن مالكٍ قولَهُ السابق (٣).

وهذا ليس في تركِ نصحِ الأئمَّةِ بكلِّ حال، وإنما مرادُهُ ما خصَّهم مِن ذنوبٍ، وقد قِيلَ لِحَمْدِيسَ: "فلو أنَّ إمامًا دعا إلى بِدْعةٍ، وأمَرَ بها؟ قال: نُجاهِدُهُ" (٤)؛ يعني: لا نَدَعُهُ، بل يُجاهَدُ حسَبَ مقدارِ البِدْعةِ الواقعةِ منه على المراتِبِ المشروعةِ؛ ما لم تُخرِجْهُ البدعةُ مِن الإسلامِ؛ فيُجاهَدُ باللسانِ مع العدل، وما أخرَجَهُ مِن الإسلامِ، فيُجاهَدُ باليَدِ مع القُدْرة.

النوعُ الثاني: جَوْرُهُ وظلمُهُ المتعدِّي مِن نفسِهِ إلى غيرِه:

فيُنتصَرُ للظالِمِ عندَهُ بنصحِه، وعند المظلومِ ببيانِ حقِّهِ له بعَدْل.

وإنْ كان ظلمُهُ في حَقِّ اللهِ وإظهارِ الشرِّ والمنكَرِ، ودعوةِ الناسِ إليه، فهذا يقتضي أنَّ على القادِرِ بيانَ المُنكَرِ وحَدِّهِ في الشريعةِ عند مَن أخَذَ بقولِ السلطانِ؛ فللعامَّةِ تأثُّرٌ بتقليدِ السلطانِ ومحاكاتِه، ويكونُ ذلك ببيانِ المُنكَرِ ومنزلتِهِ في الشريعة.

ولا يَلزَمُ منه تسميةُ السلطانِ؛ لأنَّ اللهَ أمَرَ بإزالةِ المنكَرِ، لا بتعيينِ فاعليه، وقد يكونُ في تعيينِ فاعِلِيهِ مِن الفِتْنةِ لهم ما يَدْفَعُهم للاستمساكِ


(١) "رياض النفوس" (١/ ٤٨٩).
(٢) الترمذي (٢٢٥٤)، وابن ماجه (٤٠١٦) من حديث حذيفة.
(٣) "رياض النفوس" (١/ ٤٨٩).
(٤) الموضع السابق.

<<  <   >  >>