للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تُقبَلُ له شهادةٌ في الإسلامِ أبدًا، ويُهجَرُ ويُؤدَّبُ على بدعتِهِ؛ فإنْ تَمادَى عليها، استُتِيبَ منها" (١).

ولابنِ عبد البَرِّ كلامٌ في غيرِ موضعٍ مِن كتبِه، لا يَرَى تقريرَ ما يتعلَّقُ بالغيبيَّاتِ ومسائلِ الصفاتِ بالنظَر، ولا يَرَى المناظَرةَ فيها، ومِن ذلك قولُهُ: "ليس في الاعتقادِ كلَّهِ في صفاتِ اللهِ وأسمائِهِ إلا ما جاء منصوصًا في كتابِ الله، أو صَحَّ عن رسولِ الله، أو أجمَعَتْ عليه الأمَّة، وما جاء مِن أخبارِ الآحادِ في ذلك كلِّه أو نحوِهِ: يُسلَّمُ له، ولا يُناظَرُ فيه" (٢).

ولمَّا كان التوسُّعُ في البِدَع الكلاميَّةِ لم يكنْ في زمَنِ مالك، ولم يدخُلْ فيه أهلُ السُّنَّةِ والأثَرِ إلا ما ندَرَ، ولم يَستعمِلْه كبيرُ أحدٍ في الردِّ على أهلِ الأهواءِ والكلامِ في عصرِهِ-: جعَلَ بعضُهم كلامَ مالكٍ لا يُرِيدُ به طوائفَ مِن المتكلِّمينَ الذين استعمَلُوا علمَ الكلامِ للردِّ على المعتزِلةِ والفلاسِفة؛ لأنَّهم رأَوْا أثَرَ هؤلاءِ المتكلِّمِينَ في الردِّ على الفلاسِفةِ والمعتزِلة.

فقد كان البيهقيُّ يَحمِلُ كلامَ مالكٍ على أنه يُرِيدُ كلامَ الغُلَاةِ، لا الكلامَ الذي سلَكَهُ بعضُ أهلِ السُّنَّةِ مِن بعدِهِ؛ قال: "إنَّما يريدُ -واللهُ أعلم- بالكلامِ: كلامَ أهلِ البِدَعِ؛ فانَ في عَصْرِهما (٣) إنَّما كان يُعرَفُ بالكلامِ أهلُ البدع، فأمَّا أهلُ السُّنَّةِ، فقلَّما كانوا يَخوضُونَ في الكلامِ، حتى اضطُرُّوا إليه بعدُ" (٤).

وهذا صحيحٌ في أنَّ مالكًا قصَدَ البِدَعِ الكلاميَّةَ التي أظهَرَها الزنادِقةُ


(١) "جامع بيان العلم" (١٨٠٠).
(٢) الموضع السابق.
(٣) يعني: عصرَ أبي يوسُفَ ومالكٍ.
(٤) "تبيين كذب المفتري" (ص ٣٣٤).

<<  <   >  >>