للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بيَّن ابنُ أبي زيدٍ القَيْرَوانيُّ: أنَّ البِدَعَ في الدِّينِ كانت بسبَبِ تصديرِ بني العبَّاسِ للعجَمِ مِن الفُرْسِ وغيرِهم، ولم يكنْ ذلك في بني أُميَّة (١).

ولما تمكَّن علمُ الكلامِ مِن بعضِ الناسِ، التمَسُوا مِن علمِ العربيَّةِ وأشعارِ العرَبِ ما يؤيِّدُ قولَهم، ولو كان مخالِفًا للوضعِ العرَبيِّ الأوَّل، ولسانِ قريش؛ فهم اعتقَدُوا بدليلِ علمِ الكلامِ، ثم استأنسُوا بالعربيَّة، حتى أصبَحَ هناك مَن يَقصِدُ تعلُّمَ العربيَّةِ، لتقريرِ علمِ العقائدِ على طريقةِ أهلِ الكلام.

وأهلُ السُّنَّةِ يُرجِعُونَ فهمَ مسائلِ الدِّينِ إلى ما تواضَعَ عليه أهلُ الصدرِ الأوَّلِ، واشتهَرَ الأخذُ به مِن زمنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والصحابةِ والتابِعِينَ خاصَّةً الحجازيِّين، ولا يَعتمِدُونَ على كلِّ لغةٍ واستعمال، ويتثبَّتون في النقلِ، ولا يَستدِلُّونَ بكلِّ شيءٍ مِن شواهدِ العرَبِ وأشعارِهم، بل بما تَفهَمُهُ عامَّةُ العرَبِ عند الإطلاق.

وقد نبَّه على هذا جمعٌ مِن الأئمَّةِ؛ كالشافعيِّ في "الرسالة" (٢)، وعبدِ العزيزِ الكِنَانيِّ في "الحَيْدة" (٣)؛ وهو الذي يَجرِي عليه في استعمالِهِ ونهجِهِ أئمَّةُ العربيَّةِ؛ كأبي عمرِو بنِ العَلَاءِ، وحمَّادِ بنِ سَلَمةَ، والخليلِ بنِ أحمدَ، وسِيبَوَيْهِ، والكِسَائِيِّ، والأَصمَعيِّ، وأبي عُبَيدٍ القاسمِ بنِ سلَّامٍ، وابنِ قُتَيْبةَ، وثَعْلَبٍ، وأبي منصورٍ الأَزْهَريِّ، وغيرِهم.


(١) انظر: "صَوْن المنطق" (ص ٧٥٦).
(٢) "الرسالة" (ص ٤٠ - ٥٣).
(٣) "الحيدة" (ص ٥٤ - ٥٨).

<<  <   >  >>