للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفاتُ اللهِ كغيرِها، أو يَتِمَّ تأويلُ الجميعِ كتأويلِها، وقد فَهِمُوا الألفاظ، وجَهِلُوا السياق.

ومجرَّدُ العلمِ باللغةِ العربيَّةِ لا يُجِيزُ تقديمَ الوضعِ فيها على الوضعِ الشرعي؛ فالاصطلاحُ والوضعُ الشرعيُّ مقدَّمٌ على الوضعِ اللغوي، وما خالَفَ ما أجمَعَ عليه السلَفُ من المعاني، فهو فاسِدٌ، وإنِ احتمَلَتْهُ اللغة؛ ولذا يقولُ أبو عُبَيْدٍ القاسمُ بن سَلَّامٍ: "لأهلِ العربيَّةِ لُغَةٌ، ولأهلِ الحديثِ لُغَةٌ، ولغةُ أهلِ العربيَّةِ أقيسُ، ولا نَجِدُ بُدًّا مِن اتِّبَاعِ لغةِ أهلِ الحديثِ مِن أجلِ السماعِ" (١)، ويقولُ ثَعْلَبٌ: "السُّنَّةُ تَقضِي على اللُّغَة، واللُّغَةُ لا تَقضِي على السُّنَة" (٢)؛ فالصلاةُ والزكاةُ والحجُّ والصومُ جاء الاستعمالُ الشرعيُّ فيها على معنًى مخصوصٍ يُخالِفُ الإطلاقَ اللغويَّ، ومَن حمَلَ معنى الصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحجِّ على أحَدِ معانيها اللغويَّةِ، كان حملُهُ صحيحًا لغةً، باطلًا شرعًا.

وكثيرٌ مِن الأئمَّةِ المغاربةِ يُدرِكُونَ هذا المعنى؛ كابنِ أبي زَيْدٍ، وابنِ عبد البَرِّ، وأبي عَمْرٍو الدانيِّ؛ يقولُ أبو عمرٍو الدانيُّ: "وأئمَّةُ القُرَّاءِ لا تَعمَلُ في شيءٍ مِن حروفِ القرآنِ على الأَفشَى في اللغةِ، والأقيَسِ في العربيَّة، بل على الأثبَتِ في الأثَرِ، والأصحِّ في النقلِ والروايةِ؛ إذا ثبَتَتْ عنهم، لم يَرُدَّها قياسُ عربيَّةٍ، ولا فُشُوُّ لغةٍ؛ لأنَّ القرآنَ سُنَّة مُتَبَعةٌ يَلزَمُ قَبُولُها والمصيرُ إليها" (٣).

ولمَّا استَقَرَّتْ عقائدُ المتكلِّمينَ على التأويلِ أو التفويضِ المطلَقِ، التمَسُوا مِن اللسانِ العربيِّ شواهدَ لتؤيِّدَ قولَهم؛ فاستَدَلُّوا بها، واستنَدُوا


(١) "الكفاية" للخطيب (٥٥٤).
(٢) "مجالس ثعلب" (١/ ١٧٩).
(٣) "جامع البيان في القراءات السبع" (٢/ ٨٦٠).

<<  <   >  >>