الثاني: أنَّ الصلاةَ ثقيلةٌ، وتحتاجُ إلى توطُّنٍ، والنفسُ غَضَّةٌ طَرِيَّةٌ؛ حتى إذا كَبِرَتْ، لا تَستثقِلُ الصلاةَ، وقد اعتادَتْ قبلَ ذلك عليها، ومَن لم يؤدِّها وهو صغيرٌ بأيِّ حالٍ، شَقَّ عليه القيامُ بها عند أوَّلِ بلوغِه؛ ولهذا جاء أمرُ الوليِّ بأنْ يأمُرَ الصبيَّ وهو ابنُ سبعِ سِنِينَ؛ حتى يبلُغَ العاشِرَةَ، وهي ثلاثُ سنينَ، يُؤمَرُ فيها عند كلِّ صلاةٍ، ثُمَّ يُضرَبُ عليها بعدَ العاشِرةِ إلى بلوغِه، ضربًا غيرَ مبرِّح؛ ولكنْ مَن انتظَمَ على الأُولى، لم يَحتَجْ إلى الثانيةِ؛ أي: مَن انتظَمَ بأمرِ الصبيِّ بعد السابعةِ ثلاثَ سنينَ، لم يبلُغِ العاشرةَ إلا وهو مُداوِمٌ عليها، ولم يَحتَجْ إلى ضَرْبِه.
الثالثُ: أنَّ الصلاةَ ثقيلةٌ بلا خشوعٍ، والخشوعُ ثقيلٌ في ذاتِهِ على مَن لم يتوطَّنْ عليه، والصغيرُ أوَّلَ مَا يؤدِّيها لا يَعرِفُ الخشوعَ؛ فيرادُ توطينُهُ على الأمرَيْنِ ليسهُلَا عليه:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة: ٤٥]، والخشوعُ ثقيلٌ على ضعيفِ اليقينِ بربِّه؛ كما وصَفَ اللهُ الخاشعينَ في نفسِ الآية: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٥ - ٤٦].
فالثلاثةُ متلازِمةٌ: أداءُ الصلاةِ، وخشوعُها، واليقينُ باللهِ؛ ولمَّا كان الصغيرُ يحتاجُ إلى جَمْعِها في نفسِهِ، احتاجَ إلى التبكيرِ بها أوَّلَ تمييزِه.
الرابعُ: أنَّ الصلاةَ بابٌ لحفظِ بقيَّةِ الدِّينِ؛ فهي تَنهَى عن الفحشاءِ والمُنكَر، ويحتاجُ الصغيرُ إليها؛ لتَرْدَعَهُ عند بلوغِهِ، وتَحُثَّهُ على العمَلِ الصالحِ ومكارمِ الأخلاق.
وأمَّا ما يتعلَّقُ بأمرِ الباطِنِ، فيأتي الكلامُ عليه في مَوضِعِهِ مِن هذا الكتابِ بإذنِ الله.