للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القِيَامَةِ) (١)، و "إنَّه يُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ، فيُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ أَرَادَ" (٢)؟ فأنكَرَ ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يُحدَّثَ به، قيل: قد تَحدَّثَ به ابنُ عَجْلانَ؟ قال: لم يكنْ مِن الفُقَهاءِ (٣).

ورُبَّما امتَنَع أحمدُ عن التحديث ببعضِ الحديثِ الصحيح، بل: ما تلقَّتْه العلماءُ بالقَبُول -كحديثِ جابرٍ مرفوعًا، وفيه: (فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ... ) (٤) - كان أحمدُ يَصِفُه بأن العلماءَ تلقَّتْه بالقبول، ومع هذا يقول: "ما أعلَمُ أني حدَّثتُ به إلا لمحمدِ بنِ داودَ المصِّيصِي" (٥)؛ وسببُ ذلك -كما قال أحمد- أنه شُنِّعَ به.

والأئمَّةُ عند إرادةِ الإثباتِ يَختلِفُونَ في طَرِيقَتِهم عند النفيِ؛ فربَّما تجوَّزوا بعبارةٍ وإشارةٍ لإثباتِ الحقيقةِ، وإيصالِ المرادِ مِن النصِّ للسامع، وليس مرادُهُمُ التشبيهَ؛ فسياقاتُ الكلامِ لا بُدَّ مِن مَعرِفَتِها لتمييزِ الألفاظ؛ وقد سُئِلَ ابنُ إِدْرِيسَ عن قومٍ يقولون: "القرآنُ مخلوقٌ"؟ فاستشنَعَ ذلك، وقال: "سُبْحانَ اللهِ! شَيْءٌ منه مخلوقٌ! "، وأشار بِيَدِهِ إلى فِيهِ (٦).

وأراد بهذا: إثباتَ الحقيقةِ، لا إثباتَ الفَمِ والشفتَيْنِ، واللسانِ واللَّهَاة، والحاجةِ إلى الهواء، وغيرِ ذلك.


(١) البخاري (٤٩١٩)، ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد.
(٢) البخاري (٧٤٣٩)، ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد.
(٣) "التمهيد" (٧/ ١٥٠)، و "ترتيب المدارك" (٢/ ٤٤).
(٤) "تفسير الطبري" (١٥/ ٦٠٤)، و "الايمان" لابن منده (٢/ ٨٢٣)، و "إبطال التأويلات" (٢٠٢ - ٢٠٤).
(٥) "إبطال التأويلات" (٢١٢).
(٦) "السُّنَّة" لعبد الله (٣٠).

<<  <   >  >>