وقال ابن رجب في رسالته «مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة»، كما في «سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث» لابن المَبرد (ص ٨٩ - ٩٤): فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان: أحدهما: وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، ويرجع إلى الكلام في إسناد الحديث بشذوذه، وانفراد طاوس به، وأنه لم يُتابَع عليه، وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقة؛ هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذًا ومنكرًا إذا لم يرو معناه من وجه يصح. وهذا الحديث لا يَرويه عن ابن عباس غير طاوس. قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: كل أصحاب ابن عباس -يعني رووا عنه [خلاف] ما روى طاوس. وقال الجوزجاني: هو حديث شاذ، قال: وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر، فلم أجد له أصلاً ... ، وقد صح عن ابن عباس -وهو راوي الحديث- أنه أفتى بخلاف هذا الحديث، ولزوم الثلاث المجموعة، وقد علَّل بهذا أحمد، والشافعي، كما ذكره في «المغني»، وهذا أيضا علَّة في الحديث بانفرادها، فكيف إذا ضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة. وقال القاضي إسماعيل في كتاب «أحكام القرآن»: طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة، منها هذا الحديث. وعن أيوب: أنه كان يعجب من كثرة [خطأ] طاوس. وقال ابن عبد البر: شذ طاوس في هذا الحديث، وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل. المسلك الثاني: وهو مسلك ابن راهويه ومن تابَعَه، وهو الكلام في معنى الحديث، وهو أن يحمل على غير المدخول بها. نقله ابن منصور عن إسحاق، وإليه أشار إسحاق في كتاب الجامع، وبوب عليه أبو بكر الأثرم في سننه، وأبو بكر الخلال ... ، فإن قيل: لكن الرواية مطلقة؟ قلنا: الجمع بين الدليلين، ونقول: هذا قبل الدخول. وقال البيهقي في «سننه» (٧/ ٣٣٦): وهذا الحديث أحد ما اختَلَف فيه البخاري ومسلم، فأخرجه مسلم وتركه البخاري، وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس. =