للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وإليك الجواب عما قالوه:
أما دعوى الحاكم والبيهقي، فقد سبق الجواب عنها في كلام الحافظ.
وأما قول البيهقي: «وقد روي من وجه آخر عن نافع وسالم، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما-»؛ فيقال: هذه الطريق أخرجها البيهقي في «سننه» (٧/ ١٨٣) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (١/ ٢٤٥) والدارقطني (٣/ ٢٧٢) من طريق سَرَّار بن مجشِّر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ غَيْلان بن سَلَمة الثَّقَفي أَسلَمَ، وعنده تسعُ نسوةٍ، فأمره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يختارَ منهن أربعًا، وقال: إنَّ غَيْلان بن سَلَمة كان عنده عشرُ نسوةٍ، فأَسلَمَ، وأَسلَمْنَ معه - زاد بن ناجية في روايته - قال: فلما كان زمانُ عمرَ طلَّق نساءَه، وقَسَمَ مالَهُ، فقال له عمرُ رضي الله عنه: لَتَرجِعَنَّ في مالِكَ، وفي نسائِكَ، أو لأَرجُمنَّ قبرَكَ، كما رُجِمَ قبرُ أبي رِغَال.
قال أبو علي رحمه الله: تفرَّد به سَرَّار بن مجشِّر، وهو بصري ثقة.
قلت: سَرَّار وإن كان ثقة؛ إلا أن تفرُّده عن مثل أيوب في كثرة أصحابه وسعة حديثه يُعدُّ منكرًا.
ولهذا المعنى أعلَّه الدارقطني، وابن القيم، وابن حجر، وإليك أقوالهم في هذا:
قال ابن القيم في «تهذيب السُّنن» (٣/ ١٥٦ - ١٥٧): سيف وسَرَّار ليسا بمعروفين بحمل الحديث وحفظه. وقال الدارقطني في كتاب «العلل»: تفرَّد به سيف بن عبد الله الجرمي، عن سَرَّار، وسَرَّار ثقة من أهل البصرة، ومعلوم أن تفرُّد سيف بهذا مانع من الحكم بصحته، بل لو تفرَّد به مَن هو أجلُّ مِن سيف؛ لكان تفرُّده علَّة.
وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (٣/ ١٦٨): في إسناده مقال.
وخالف الشيخ الألباني، فقال في «الإرواء» (٦/ ٢٩٣) بعد ذكره له: فهو شاهد جيد، ودليل قوي على أن للحديث موصولاً أصيلاً (كذا) عن سالم، عن ابن عمرَ.
قلت: وفي هذا نظر من وجوه:
الوجه الأول: أن طريق معمر منكرة، فقد تفرَّد بها عن الزهري، مخالفًا بذلك كبار أصحاب الزهري المتقنين الذين أرسلوه، وإذا كان ذلك كذلك، فإن المنكر لا يتقوَّى.
الوجه الثاني: أن طريق سَرَّار منكرة -أيضًا-، تفرَّد بها عن سالم، وسبق من كلام الحفاظ في إعلالها ما فيه كفاية.
وأما الجواب عما قاله ابن حزم وابن القطان من قبول الوصل والإرسال، وأن الزيادة من الثقة مقبولة، فيقال: هذا مسلك معروف لهما، وهو مسلك مردود، لا يجري على قواعد المحققين من أهل هذا الشأن، وقد تقدم مرارًا بيان أن ابن حزم وابن القطان ممن جريا على منهج الفقهاء في قبول الزيادة مطلقًا دون تفصيل، مخالفين بذلك الأئمة النقاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>