للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهجرة التي وعد اللَّه عليها الجنة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] (١).

فكان الرجل يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره فالمهاجرون (بنصرهم) للَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وبذلهم نفوسهم النفيسة وخروجهم للَّه تعالى عن ديارهم وأموالهم وأهاليهم لأجل إعلاء كلمة اللَّه في مرضات اللَّه ورسوله إظهار دين اللَّه ونوره الذي أنزله على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففتح اللَّه به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا (عن ظلمة النار) وغضب المليك الجبار (زحزحوا) أي ابعدوا من زاح يزيح زيحًا وزيوحًا وزيحانًا بعد وذهب كانزاح وأزحته والزوح


= هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد اللَّه ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستجاب.
وقال البغوي في شرح السنة: يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله: "لا هجرة بعد الفتح" أي من مكة إلى المدينة وقوله: "لا تنقطع" أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام "انتهى". راجع فتح الباري (١٧/ ٢٧٠) (١٦/ ٤٦) وشرح السنة للبغوي (١٠/ ٣٧١) وما بعدها.
(١) ولم يتضح لي وجه استدلال المؤلف بهذه الآية على الهجرة، والذي ذكره المفسرون أن هذه الآية نزلت في البيعة الثانية وهي بيعة العقبة الكبرى وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند العقبة فقال عبد اللَّه بن رواحة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم، قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: "الجنة" قالوا: ربح البيع لا نقبل ولا نستقيل فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل اللَّه من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
انظر: القرطبي (٨/ ٢٦٧)؛ وابن كثير والبغوي (٤/ ٢٤٦ - ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>