للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقل أحد من الناس إن الحسنة المفعولة من اللَّه والسيئة المفعولة من العبد" (١) واللَّه تعالى أعلم.

تتمة:

قابلت طائفة القدرية الطائفة المسماة بالجبرية وهم الذين يزعمون أنه لا فعل للعبد أصلًا وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة له عليها ولا قصد ولا اختيار فأثبتوا أن اللَّه تعالى خالق كل شيء ومليكه وربه وهذا جيد حسن، لكن أساؤا بنفي تأثير الأسباب والحكم في الجماد والحيوان وبإنكارهم أن يكون للحيوان من الإنسان أو غيره فعل يفعله بقدرته واختياره وحقيقة قول هؤلاء ترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح وحدوث الحوادث بلا سبب أصلًا.

قال شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه: "قابل القدرية قوم من العلماء والعباد وأهل الكلام والتصوف فأثبتوا القدر وآمنوا بأن اللَّه خالق كل شيء ربه ومليكه وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهذا حسن لكنهم قصروا في الأمر والنهي والوعد والوعيد وأفرطوا (حتى غلا بهم الأمر) (٢) إلى الإلحاد فصاروا من جنس المشركين الذي قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨]. ثم قال: فأولئك القدرية وإن كانوا يشبهون المجوس من حيث أنهم أثبتوا فاعلًا لما اعتقدوه شرًا غير اللَّه سبحانه فهؤلاء شابهوا المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}.

فالمشركون شر من المجوس لأن المجوس يقرون بالجزية باتفاق المسلمين حتى ذهب بعض العلماء إلى حل نسائهم وطعامهم، وأما المشركون فاتفقت الأمة على تحريم نكاح نسائهم، ومذهب الإمام أحمد في المشهور عنه والإمام الشافعي


(١) انظر مجموع الفتاوى (٨/ ١١٦ - ١١٧).
(٢) كذا في النسختين وفى الفتاوى (٨/ ٩٩) "حتى خرج غلاتهم إلى الإلحاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>