وغيرهما أنهم لا يقرون بالجزية، فجمهور العلماء على أن مشركي العرب لا يقرون بالجزية.
والمقصود أن من أثبت القدر واحتج به على إبطال النهي والأمر فهو شر ممن أثبت الأمر والنهي ولم يثبت القدر.
قال شيخ الإسلام: هذا متفق عليه بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل، بل من جمع الخلق فإن من احتج بالقدر وشهد الربوبية العامة لجميع المخلوقات ولم يفرق بين الأمور والمحظور، والمؤمن والكافر، وأهل الطاعة وأهل المعصية لم يؤمن بأحد الرسل ولا بشيء من الكتب وكان عنده آدم وإبليس سواء، وهذا الضلال قد كثر في كثير من أهل التصوف والزهد والعبادة ولا سيما إذا قرنوا به توحيد أهل الكلام المثبتين للقدر والمشيئة من غير إثبات المحبة والبغض والرضى والسخط، الذين يقولون التوحيد هو توحيد الربوبية، وأما الإلهية فهي عندهم القدرة على الاختراع، وعندهم مجرد الإقرار بأن اللَّه تعالى رب كل شيء كاف، وهؤلاء يدعون التحقيق والفناء في التوحيد، ويقولون إن هذا نهاية المعرفة، وإن صاحب هذا المقام لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة لشهوده الربوبية العامة والقيومية الشاملة.
وهذا الموضع وقع فيه من الشيوخ الكبار من شاء اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وغاية توحيد هؤلاء توحيد المشركين الذين كانوا يعبدون الأوثان ويقرون أن اللَّه تعالى خالقهم وخالق السموات والأرض ومن فيهن وبيده ملكوت كل شيء فكانوا مقرين بالقدر وهو معروف عنهم (١) في النظم والنثر، ومع هذا فلما لم يكونوا يعبدون اللَّه تعالى وحده لا شريك له بل عبدوا غيره كانوا مشركين شرًا من اليهود والنصارى فمن كان غاية توحيده ومنتهى تحقيقه هذا التوحيد كان توحيده توحيد المشركين.