آدم موسى" من هذا الوجه وليس كذلك وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم اللَّه تعالى بما يكون من فعل العباد واكتسابهم وصدورها عن تقدير منه تعالى وخلق لها خيرها وشرها، قال والقدر اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر.
ولذا قال الناظم:(المقدور) أي المصادر عن المعبود تعالى مقدرًا محكمًا، كالهدم والنشر والقبض أسماء لما صدر عن فعل الهادم والناشر والقابض يقال: قدرت الشيء وقدرت خفيفه وثقيله بمعنى واحد والقضاء معناه في هذا الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت: ١٢] أي خلقهن وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي على العباد من وراء علم اللَّه تعالى فيهم أفعالهم واكتسابهم ومباشرتهم تلك الأمور وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقديم إرادة واختيار والحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها.
قال الخطابي: وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى عليهما السلام أن اللَّه تعالى كان قد علم من آدم أنه يتناول من الشجرة ويأكل منها فكيف يمكنه أن يرد علم اللَّه فيه ويبطله بعد ذلك، وبيان هذا في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] فأخبر قبل كون آدم إنما خلقه للأرض وأنه لا يتركه في الجنة حتى ينقله عنها إليها وإنما كان تناوله سببًا لهبوطه إلى الأرض التي خلق لها ليكون فيها خليفة واليًا على من فيها فإنما أدلى (١) آدم بالحجة على موسى لهذا المعنى ودفع لائمة موسى عليه السلام عن نفسه ولذلك قال: أتلومني على أمر قد قدره اللَّه عليَّ من قبل أن يخلقني. قال: فقول موسى عليه السلام وإن كان في النفوس منه شبهة وفي ظاهره متعلق لاحتجاجه بالسبب الذي جعل إمارة لخروجه من الجنة، فقول آدم عليه السلام في تعلقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل