وقول آخر لأنه كان أباه والابن لا يلوم أباه، وقول آخر إن الذنب في شريعته واللوم في أخرى.
قال: وكل هذا تعريج عن مقصود الحديث لأن موسى عليه السلام قال لآدم عليه السلام لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فلامه على المصيبة التي حصلت بسبب فعله لا لأجل كونها ذنبًا، ولهذا احتج آدم عليه بالقدر، وأما كونه لأجل الذنب كما يظنه كثير من الناس فليس بمراد بالحديث، فإن آدم عليه السلام كان قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا يجوز لوم التائب باتفاق الناس، قال ولأن آدم عليه السلام احتج بالقدر، وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل وسائر العقلاء" (١).
وقال شيخ الإسلام في كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان": هذا الحديث قد ضلت به طائفتان: طائفة كذبت به لما ظنوا أن يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى اللَّه تعالى لأجل القدر.
وطائفة شر من هؤلاء جعلوه حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه أو الذين لا يرون أن لهم فعلًا وذكر نحو ما قدمنا من الطوائف، ثم قال: "وكل هذا باطل ولكن وجه الحديث: أن موسى عليه السلام لم يلم أباه إلا لأجل المصيبة التي لحقتهم من أجل أكله من الشجرة فقال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ لم يلمه لمجرد كونه أذنب ذنبًا وتاب منه فإن موسى عليه السلام يعلم أن التائب من الذنب لا يلام ولو كان آدم عليه السلام بعتقد رفع الملام عنه لأجل القدر لم يقل:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣].
(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٣٠٤) وما بعدها، ومنهاج السنة (٣/ ٧٨) وما بعدها، ودرء تعارض العقل مع النقل (٨/ ٤١٨)؛ والتدمرية (٨١)؛ وشفاء العليل لابن القيم (ص ٢٨) وما بعدها.