للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوفة لعلم المخاطب بها، وذلك أنه لا يقال شيء من هذا إلا لمن كان في عمل قد بلغ فيه كفاية، فيقال له هذا ليكنّ ويكتفي بما قد عمله منه، وتقديره حسبك هذا، وحسبك ما قد عملته ونحوه، ومعناه كله معنى (اكتف). وقد حكى

أبو عمرو (شرعك) منصوب إذا نهاه، وفيه معنى المرفوع لأن المرفوع يراد به الكف عن الفعل وقطعه، و (ينم الناس) جواب لأن معناه معنى الأمر، وإن كان مبتدأ، وقوله: اتقى الله أمرؤ، وإن كان لفظه لفظ الخبر، فمعناه الأمر، لأن هذا بقوله الواعظ لمن يسمع كلامه، وليس قصده أن يخبر عن إنسان بأنه قد اتقى الله، ومثله: غفر الله لزيد، ورحمه، لفظه الخبر ومعناه الدعاء، وأما من قرأ:

فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١)، والأصل في الجواب أن يكون بغير فاء، والذي يقرأ ((وأكون)) يعطفه على ما بعد الفاء، ومثاله في الاسم: إن عندك زيدا وعمرو وعمرا، عطفا على موضع (إن)، وعلى المنصوب بعد (إن) وأما استشهاده ببيت زهير، فالخفض في البيت قبيح جدا، لأنه خافض قبله يخفضه، ولا مخفوض يعطف عليه، ولا شيء موضعه خفض، فيعطف على الموضع لأن الباء إذا أتى بها فموضعها نصب، فإذا حذفت ونصب الاسم بعدها، فقد وقع الاسم المنصوب موقعه ولا موضع لغير النصب، ألا ترى أنا إذا قلنا: تعلقت بزيد وعمرا، عطفنا (عمرا) على موضع الباء، ولا يقال تعلقت زيدا وعمرو، ولا يحسن لأن المنصوب ليس في موضع خفض، والخفض في البيت قبيح جدا، والذي في كتاب الله- عز وجل- مستحسن جيد، والذي حملت على الموضع مما لا يحتاج فيه إلى تغيير لفظ العامل، فهو أحسن مما يحتاج فيه إلى تغيير لفظه، فمما لا يحتاج فيه إلى تغيير لفظ العامل قولك: ليس زيد بجبان ولا بخيلا، بخيلا معطوف على موضع الباء، ولا يحتاج في نصب (بخيلا) إلى تغيير (ليس)، وكذلك إذا عطفنا (أكن) على موضع الفاء، لم تغير ((لولا أخّرتني)) عن لفظه؛ ومما يحتاج إلى تغيير اللفظ قوله:

جيئوا بمثل بني زيد لقومهم ... ... أو مثل أسرة ... (٢)

تجعل مكان جيئوا: أو هاتوا مثل أسرة، وكذلك قوله:

أعنّي بخوار العنان ... ... ...


(١) سورة المنافقون، الآية: ١٠.
(٢) البيت منسوب لجرير وروايته في ديوانه
جئني بمثل بني بدر لقولهم ... أو مثل أسرة منظور بن سيار

<<  <  ج: ص:  >  >>