للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يصلح أن تقول: الأفضل منك أبا، لأن منك إنما تدخل إذا كان " أفضل " في معنى الفعل: لابتداء الغاية التي منها ابتداء الفضل فإذا نقلت إلى الذات بطل ذلك المعنى، وصار " الأفضل " بمعنى الفاضل، فكما لا يجوز أن تقول: " الفاضل منك " لم يجز أن تقول: " الأفضل منك ".

وقال الزجاج: فرقهم بالنون قولهم في التثنية " الأفضلان " والجمع " الأفضلون " مثل:

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا فهذه النون فاصلة لأنها جعلت الآخر غير الأول.

قال سيبويه: (وقد جاء من الفعل ما أنفذ إلى مفعول، ولم يقو قوة غيره، مما تعدى إلى مفعول، وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحما).

قال أبو سعيد: اعلم أن هذا الباب مثل ما تقدم من نقل الفعل عن الثاني إلى الأول وذلك أن قولك: امتلأت ماء، معناه امتلأ مائي، وتفقأت شحما، أي تفقأ شحمي، ومثله: " تصببت عرقا " واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (١) وإنما هو تصبب عرقي، واشتعل شيب الرأس، فنقل الفعل عن الثاني إلى الأول، ونزع عن الثاني، فارتفع الأول بالفعل المنقول إليه، فصار فاعلا في اللفظ، فمنع الفعل أن يعمل في فاعله على الحقيقة فيرفعه؛ لأنه لا يرتفع به أكثر من واحد وتوابعه، وانتصب المنقول عنه الفعل؛ لأن الفعل لا تصح إضافته إليه فينخفض به ولا يرتفع به وقد ارتفع به غيره، ولم يبق إلا النصب فنصب. فإن قال قائل: فلم نكّر ولم تدخل عليه الألف واللام كما فعل ذلك في الوجه من قولك:

حسن الوجه؟ فإن الجواب في ذلك أن " تفقأت شحما " وبابه وإن كان قد شابه " حسن الوجه " من جهة، فقد فارقه من غيرها، وذلك أن " حسن الوجه " انتقل الفعل عنه إلى اسم الفاعل، وصار المنقول عنه بمنزلة المفعول، والمنقول إليه بمنزلة اسم الفاعل الذي يضاف مرة وينون أخرى فيعمل، ولا يكتفي " الحسن " بنفسه، إذا أردت به حسن الوجه.

و" تفقأت " قد يكتفي بنفسه، فيقال: " تفقأت " ويسكت عليه، غير أن التفقؤ يكون من أشياء، فصار " تفقأت " بمنزلة " عشرين " لأنك تتفقأ من أشياء كثيرة، كما أن " العشرين " تكون من أشياء كثيرة، فلما كان إبانة " العشرين " بنكرة الجنس على طريق التمييز، وجب أن تكون إبانة التفقؤ بنكرة على طريق التمييز؛ ولا يجوز إدخال الألف


(١) سورة مريم، آية: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>