للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللام، ولا التقديم ولا الإضمار في ذلك عند سيبويه، لا يجوز أن تقول: " شحما تفقأت " ولا " عرقا تصببت "، ولا "

تصببت العرق " ولا " عرق تصببته "، كما لم يجز في " العشرين " وما مر من أبواب التمييز شيء من ذلك.

وزعم المازني وأبو العباس المبرد أنه يجوز تقديم التمييز في هذا الباب، فتقول:

" عرقا تصببت "، و " نفسا طبت "، و " شحما تفقأت "، واحتجوا لذلك بأن قالوا: العامل في التمييز شيئان: أحدهما اسم جامد، والآخر فعل متصرف، فالاسم الجامد نحو " العشرين درهما " و " أفضل منك أبا " وهذا الضرب لا يجوز تقديم التمييز فيه على الاسم المميز، والضرب الثاني وهو ما كان العامل فيه متصرفا، وذلك " تفقأت شحما ".

قالوا: هذان الضربان في التمييز يشبهان الحال، وذلك أن العامل في الحال على ضربين: فعل متصرف، وشيء في معنى فعل غير متصرف، فما كان فعلا متصرفا جاز التقديم فيه والتأخير، كقولك: " قام زيد ضاحكا "، و " ضاحكا قام زيد "، وما كان العامل فيه معنى الفعل، لم يجز تقديم الحال عليه، وذلك قولك: " هذا زيد قائما " و " خلفك زيد قائما " ولا يجوز: " قائما هذا زيد "، و " قائما خلفك زيد "، واحتجوا في ذلك أيضا ببيت أنشدوه، وهو قول الشاعر:

أتهجر سلمى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق يطيب (١)

أراد: وما كان يطيب نفسا بالفراق.

وكأن الحجة لسيبويه في ذلك أن هذه الأشياء المنصوبة قد كانت فاعلة نقل عنها الفعل، فجعل الأول في اللفظ، ولو نصبناها وقدمناها لأوقعناها موقعا لا يقع فيه الفاعل؛ لأن الفاعل متى تقدم الفعل لم يرتفع به، وكذلك إذا قدمناه لم يصح أن يكون في تقدير فاعل نقل عنه الفعل، إذ كان هذا موضعا لا يقع فيه الفاعل، ووجه ثان وهو أن هذا الباب لا يعمل إلا في نكرة، فهو أضعف من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل فلما كانت الصفة المشبهة باسم الفاعل لا يجوز تقديم ما عملت فيه عليها كان هذا أحرى بالامتناع من ذلك.


(١) قائله المخبل السعدي واسمه ربيع بن ربيعة بن مالك ويقال إنه لأعشى همدان واسمه عبد الرحمن بن عبد الله ونسب لقيس بن الملوح العامري العيني ٣/ ٢٣٥ - الخصائص ٢/ ٣٨٤ - ابن يعيش ٢/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>