وقد مر هذا. والنحويون يسمون قبل وبعد إذا ضمّنا معنى الإضافة بعد حذف المضاف إليه غاية. والمعنى في ذلك أنه لما كان حد الكلام أن ينطق بهما مضافين فحذف المضاف إليه واقتصر بهما، وقد كان تمام الكلام وغايته هو الشيء الذي بعدهما، صيّرا غاية الكلام في النطق وتم الكلام بلفظهما دون المضاف إليه في النطق فصارا غاية ينتهي عندها المتكلم فاعرف ذلك إن شاء الله.
قال سيبويه:" والوقف قولهم من وكم وقط وإذ ".
قال أبو سعيد: أما من فهي اسم، والدليل على ذلك أنها تقع مواقع الأسماء فاعلة ومفعولة ولها ضمير يعود إليها ويدخلها حروف الجر، ولها ثلاثة مواضع هي فيها كلها مبنية لعلل أوجبت ذلك لها، فأولها أنه يستفهم بها عن ذوات ما يعقل من الثقلين والملائكة كقولك " من جبريل؟ " و " من زيد؟ " و " من إبليس؟ " فوقعت موقع حرف الاستفهام في هذا الوجه فبنيت من أجل ذلك. والثاني أنها تقع في المجازاة على ذوات ما يعقل فبنيت لوقوعها موقع حرف الجزاء، وهو " إن " وذلك قولك: " من يأتني آته " كأنك قلت: " إن يأتني زيد آته "" وإن يأتني عمرو آته " وكذلك غيرهما من سائر ما يعقل.
والثالث أن يكون بمعنى الذي لذوات ما يعقل فيحتاج في هذا الموضع خاصة دون الموضعين الأولين من الصلة إلى مثل ما احتاجت إليه (الذي) وتكون مبنية مثل ما كانت (الذي)؛ لأنها والصلة في موضع اسم واحد فهي بعض الاسم وبعض الاسم لا يكون إلا مبنيا.
وهي تفارق (الذي) في شيئين:
أحدهما: أنها لا توصف كما توصف الذي.
وثانيهما: أنه لا يوصف بها، كما يوصف بالذي: تقول: " جاءني زيد الذي قام " و " جاءني الذي قام بالعاقل " فتصف الذي، وتصف بها، ولا تقول:" جاءني زيد من قام " تريد الذي قام على النعت ولا جاءني من قام العاقل، فإن قال قائل لم زعمت أنها لا تقع إلا على ذوات ما يعقل من الثقلين والملائكة، فقد قال الله عز وجل: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ