للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (١) والذي يمشي على بطنه ليس مما يعقل ولا الذي يمشي على أربع، لأن الذي يمشي على بطنه هو ما ينساب من الحيات ونحوها، والذي يمشي على أربع نحو الخيل والبغال والحمير والأنعام وسائر ذوات الأربع؟ قيل له: إنما جاز إجراء " من " على هذه الأشياء وإن لم تكن مما يعقل لما خلطن بمن يعقل وذكرن معه، كقول لبيد:

فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها (٢)

والنعام لا تطفل وإنما تبيض، فكأنه قال: وباضت نعامها، وقال آخر:

علفتها تبنا وماء باردا ... حتى شتت همّالة عيناها (٣)

والماء البارد لا يعلف ولكنه قد دل العلف على السقي فكأنه قال وسقيتها ماء باردا، وقال آخر:

يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا (٤)

فالرمح لا يتقلد ولكن لما كان تقلد السيف هو حمله فكأنه قال حاملا سيفا ورمحا.

وكذلك يجعل (من) في معنى الذي، فكأنه قال: الذي يمشي على بطنه، وإنما سوغ ذلك حين قال: " فمنهم " لأنه إذا جمع كناية ما يعقل وما لا يعقل كان على لفظ كناية ما يعقل، فلما كان الجمع الذي فيه ما يعقل وما لا يعقل كنايته على مثل كناية الجمع الذي ليس فيه ما لا يعقل، كان تفصيل الجمع الذي فيه ما يعقل وما لا يعقل على مثال الجمع الذي فيه ما لا يعقل، فلما قال عز وجل: " فمنهم " صاروا كأنهم كلهم يعقلون، فأجرى على كل واحد منهم " من " في التفصيل.

وأعلم أن من لفظها واحد مذكر إلا أنها تقع على الواحد والاثنين والجماعة من المؤنث والمذكر، فإذا وقع على كل شيء من ذلك كنت فيه بالخيار، وإن شئت أجريت اللفظ عليها في نفسها، وإن شئت على معناها في التثنية والجمع والتأنيث، تقول: " من الناس من يكرمك " " وإن شئت من يكرمونك " إذا أردت الجماعة، وإذا أردت الاثنين


(١) سورة النور، آية ٤٥.
(٢) البيت في شرح القصائد السبع في معلقة لبيد ٥٢٤.
(٣) البيت بلا نسبة في معاني القرآن ١/ ١٤، ولسان العرب (زجج) وخزانة الأدب ١/ ٤٩٩.
(٤) البيت لعبد الله بن الزبعري في معاني القرآن ١/ ١٢١، وخزانة الأدب ١/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>