للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: لما كانتا مستعملتين اسمين وحرفين، وكان الأصل فيهما: " منذ " و " مذ " مخففة، غلبوا الاسمية على " مذ "، بسبب الحذف الذي لحقها؛ لأن الحذف إنما حقه أن يكون في الأسماء، وهي بذلك أولى لتصرفها وتمكنها ولحاق التنوين بها في تصريفها.

فإن قال قائل: لأية علة ضمت منذ؟ وما كان أصلها في البناء؟ قيل له: كان أصلها أن تكون الذال منها ساكنة اسما كانت أو حرفا. أما إذا كانت حرفا، فالحروف حقها السكون، وإذا كانت اسما فهي اسم في معنى حرف وينوب عنه، فوجب بناؤها على السكون، ثم التقى فيها ساكنان: النون والذال، فضمت الذال اتباعا للميم؛ لأن ما بينها حرف ساكن، وهو نون، والنون خفية جدا إذا كانت ساكنة؛ لأنها غنّة في الخيشوم، فلو بنوها على حد التقاء الساكنين، لكانوا قد خرجوا من ضمة إلى كسرة؛ وذلك قليل في كلامهم.

ومثله في الإتباع: قالوا: " منتن " و " منتن ". ومنهم من يقول: " منتن " فمن قال:

" منتن " أراد: " منتن " ثم اتبع التاء الميم وضمها؛ لأن الذي بينهما نون خفية، وليست حاجزا قويا. والذي يقول: " منتن " بكسر الميم والتاء على وجهين:

أحدهما: أن يكون أراد: " منتن " ثم كسر الميم فأتبعها كسرة التاء. ويجوز أن يكون من: " نتن " لأنه يقال: أنتن ونتن؛ فيكون " مفعل " من ذلك، كما تقول: " منخر ". ويجوز أن يكون أصله في هذا الوجه " منتن " وأتبعوا الميم التاء، كما قالوا: منخر ومنخر. ويجوز أن يكون: " مفعل " من " نتن " ثم اتبع التاء الميم، فكسر فاعرفه إن شاء الله.

قال سيبويه: " والوقف منها قولهم: من، وهل، وبل، وقد ".

قال أبو سعيد: اعلم أن هذه حروف جئن سواكن على ما يجب أن تجيء عليه الحروف.

فأما " من " فإنها تجيء عند سيبويه لثلاثة معان:

لابتداء الغاية، وهو قولك: " سرت من البصرة ".

وللتبعيض، كقولك: " يريد زيد من زيد "، و " أخذت من مال عمرو ثلثيه " وتكون زائدة في النفي، كقولك: " ما جاءني من أحد " في معنى؛ ما جاءني أحد. فأما إذا قلت: " ما جاءني من رجل " فإن فيه فائدة ومعنى زائدا على قولك: " ما جاءني رجل "؛ وذلك أنك إذا قلت: " ما جاءني رجل " احتمل أن تكون نافيا لرجل مفرد، وقد جاءك أكثر من رجل،

<<  <  ج: ص:  >  >>