للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(من) كما جاز لهم أن يضمروا (رب) وزعم الخليل أن قولهم: (لاه أبوك) ولقيته أمس إنما هو على: لله أبوك، ولقيته بالأمس، ولكنهم حذفوا الجار تخفيفا على اللسان، وليس كل جار يضمر؛ لأن المجرور داخل في الجار، فصارا عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثمّ قبح، ولكنهم يضمرونه ويحذفونه فيما كثر في كلامهم؛ لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج.

قال الشاعر العنبري:

وجدّاء ما يرجى بهاذ وقرابة ... لعطف وما يخشى السماة ربيبها (١)

وقال امرؤ القيس:

ومثلك بكرا قد طرقت وثّيبا ... وألهيتها عن ذي تمام مغيل (٢)

أي رب مثلك.

ومن العرب من ينصبه على الفعل:

ومثلك رهبي قد تركت رذية ... تقلّب عينيها إذا مرّ طائر (٣)

سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب.

والتفسير الأول في (كم) أقوى لأنه لا يحمل على الاضطرار والشاذ، وإذا كان له وجه جيد ولا يقوى قول الخليل في أمس لأنك تقول: ذهب أمس بما فيه.

فإذا فصلت بين (كم) وبين الاسم بشيء استغني عليه السكوت أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يستعملونها بمنزلة اسم منون؛ لأنه قبيح أن يفصل بين الجار والمجرور، لأن المجرور داخل في الجار فصارا كأنهما كلمة واحدة، والاسم المنون يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه، تقول: هذا ضارب بك زيدا، ولا تقول: هذا ضارب بك زيد. قال زهير:

تؤم سنانا وكم دونك ... من الأرض محدودبا غارها (٤)

وقال القطامي:


(١) البيت في الكتاب ص ٢٤٤.
(٢) البيت في الديوان ٦٦.
(٣) نسبه بعضهم إلى أبي ربيس الثعلبي، وهو من الخمسين.
(٤) البيت نسب إلى زهير وابنه كعب في ابن يعيش ٤/ ١٣١، الإنصاف ٣٠٦، الأشموني ٤/ ٨٣، وليس بديوانهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>