ويجوز أن يعبر الإتيان والمجيء عن التجليات الإلهية والتعريفات الربانية، ولا سبيل إلى القول في هذا الحديث وأمثاله إلا من أحد الطريقين: إما التأويل على النسق الذي بينا، وإما السكون على الوجه الذي ذكرناه.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد (هل بينكم وبينه آية تعرفونه، فيكشف عن ساق). [١٩٠/ب] وسياق هذا الحديث في بعض طرقه الصحاح: (هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها) وهو الأحوط وقد بينا فيما مر من الكتاب معنى قوله: (فيكشف عن ساق) وتنكيرها في هذا الحديث على ما هو في التنزيل من أكد أسباب التأويل.
وفي رواية أبي هريرة وأبي سعيد في الجامعين الصحيحين زيادات على ما في المصابيح لم نر التعرض لها؛ لأنها لم تدخل في جملة أحاديث هذا الكتاب، ثم لأنها من المشكلات المبهمة والمعضلات العويصة، والأولى بأولي الخشية الذين باشر الحق أسرارهم أن لا يتكلفوا التأويل في الألفاظ النابية عما يتوخي من المعاني فيذروه في سنبلة.
وفيه: (فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكوس في نار جهنم).
جعل المارة على الصراط على طبقات ثلاث، على ما رتبهم عليه في الحشر، وهم الذين نجاهم من النار فلن تمسهم على تباين مقاماتهم في العبودية وتفاوت درجاتهم في الجنة، ثم الذين استوجبوا العقوبة من عصاة أهل الإيمان على اختلاف نياتهم، ومقادير ذنوبهم، ثم الذين لا ملجأ لهم المقضيون عليهم بالخلود.
وقوله: (ومخدوش مرسل)، يريد به الذي يخدش بالكلوب، فيرسل إلى النار من عصاة أهل الإيمان.
وأما قوله: (فمكدوش)، الأكثرون يروونه بالسين المهملة، وفسر بأنه مدفوع فيها.
يقال: تكدس السن: إذا دفع من روائه فقط، والتكدس في سير الدواب: أن يركب بعضهم بعضاً وكدس به صرفه، وكدسهم جمعهم في موضع.
قلت: ومنهم من يرويه بالشين المعجمة وهو السوق الشديد، وكدشه: خدشه وجرحه وطرده.
وفي بعض طرقه: (مكردش في نار جهنم)، أراد به الموثق الملقى فيها.
وفيه: (فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل).
الحبة بكسر الحاء وتشديد الباء اسم للجامع للبزور التي تنتشر إذا هاجت ثم تنبت في الربيع. وقد قيل غير ذلك.