وفي حديث الصراط (آخر من يمر رجل يتكفأ به الصراط) وقيل: تكفأ ترهيأ في مشيته كما تترهيأ العيدانه.
وفي وصف مشيته ما يدل على صحة ذلك، ويحتمل أنه أراد به الترفع عن الأرض مرة واحدة، كما يكون في مشي الأقوياء وذوي الجلادة، بخلاف المتماوت الذي يجر رجله في الأرض، ويدل عليه قول الواصف:(إذا مشى تقلع) وسنذكره في موضعه.
والرواية المعتد بها في (تكفى) بغير همز، وذلك يرويه في كتاب أبي عيسى عن علي- رضي الله عنه-: (إذا مشى تكفى تكفيا).
وذكر الهروي أن الأصل فيه الهمز، ثم تركت.
[٤٣٧٧] ومنه حديث الآخر عن أم سليم رضي الله عنها- (أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها فيقيل عندها).
قلت: قد وجدت في بعض كتب الحديث أنها كانت من ذوات محارم النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة الرضاع، ولم يزد هذا الناقل على ذلك شيئا، وقد رأيت ذلك قولا صحيحا، واستبان وجه صحته من هذا الحديث وأمثاله؛ فإن نبي الله [١٠٢/أ]- صلى الله عليه وسلم - لم ليقيل في بيت أجنبية، ثم إنه لم يكن يدخل بعد نزول حجاب على امرأة من الأنصار، إلا على أم سليم وأختها أم حرام، فضلا عن أن يقيم عندها.
وقد صح أنه دخل على أم حرام بنت ملحان فقال عندها، فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؛ فقال:(ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة) الحديث.
وفي هذا الحديث أنها جلست تفلي رأسه، وإذا لم يكن بينه وبينها سبب محرم من رحم ووصلة فلابد أن يكون ذلك من جهة الرضاع على ما ذكر، وإذا قد علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحمل إلى المدينة رضيعا تعين أن يكون ذلك من قبل أبيه عبد الله فإنه ولد بالمدينة، وكلن عبد المطلب قد فارق أباه هاشما وتزج بالمدينة في بني النجار، وأم حرام وأم سليم بنت ملحان كانتا من بني النجار، فعرفنا من جميع ذلك أن الحرمة بينهم كانت حرمة الرضاع.
ولقد وجدنا الجم الغفير من علماء النقل أوردوا أحاديث أم حرام وأم سليم ولم يبين أحد منهم العلة،