الأصل الذي ذكرناه، وهو نفي التشبيه بصفات العبيد؛ غير أن عليه أن يعلم؛ هذا الحديث لا يدخل في جملة أخبار الصفات التي لا محيد لأحد منها؛ لأن السبيل إلى إثبات ذلك القسم: النقل الصحيح المتواتر الموجب للعلم، وهذا الحديث من جملة الآحاد؛ ثم إنه من أحاديث الرؤيا، ومبنى الرؤيا- في الغالب من الأحوال- على التعبير والتأويل.
نسأل الله ألا يدفع بنا عن منهج الحق أي واد سلكناه؛ إنه الهادي إلى سواء السبيل!
وفيه: (فعلمت ما في السموات والأرض)، وفي إحدى الروايتين عن ابن عباس: (فعلمت ما في السموات والأرض)، وفي الأخرى: (فعملت ما بين المشرق والمغرب)، وفي رواية معاذ: (فتجلى لي كل شيء وعرفته).
وكل هذه الألفاظ راجعة إلى معنى سعة علمه الذي فتح الله به عليه.
وفي تلاوته- بعد هذا القول- قول الله سبحانه: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} - إشارة إلى أن الله تعالى أراه من آياته الكبرى، حتى علم ما في السماء والأرض؛ كما أرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض [٧٤/أ].
فإن قيل: (ما يمنعك أن تقول: إن الآية نازلة في بيان تلك الحالة، والمعنى: كما أريناك هذه الرؤيا- نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض؟).
قلنا: لو كان الأمر على ذلك، لكان من حق الآية: أن تكون نازلة عقيب هذه القصة، ولم يختلف العالمون بأسباب النزول، في كون هذه الآية من جملة ما نزل بمكة، وهذه الرؤيا التي ذكرناها إنما أريها بالمدينة؛ فيكون- إذا- وجه التوفيق بين الآية والحديث على ما ذكرناه.
وفيه: (ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى، يا محمد؟ قلت: في الكفارات).
على هذا السياق نقط (كتاب المصابيح)؛ وذلك وجدناه فيما رواه أبو قلابة، عن ابن عباس، وفي الرواية المعتد بها عن معاذ بن جبل، وفي رواية أخرى عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج: عن ابن عباس: (قلت: في الدرجات والكفارات).
فتبين لنا من الروايتين سقوط (الدرجات) عن رواية ابن عائش التي في (كتاب المصابيح)، وعن رواية أبي قلابة، عن ابن عباس.
ومعنى اختصام الملائكة في الدرجات والكفارات: تفاوضهم في فضل كل واحد من الجنسين، أعني: الدرجات والكفارات.
ويحتمل: أن يكون المراد منه: اغتباط الملائكة ببني آدم بهذه الفضائل؛ لاختصامهم بها، أو تقاولهم في فضل البشر، والسبب الموجب لذلك، مع تهافتهم في الشهوات؛ وتماديهم في الجنايات؛ وذلك لما أيدوا به من الكفارات والدرجات؛ فإن أحدهم إذا تقرب إلى ربه بالمشي إلى المساجد؛ لإدراك فضيلة الجماعة، أو جلس في المسجد بعد أداء الفريضة منتظرا لفريضة أخرى، أو أبلغ الماء حيث أمر بإبلاغه على وجه الإسباغ