للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدًا ممَّن يتعنى باستخراج معاني أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعرض لبيان هذا الحديث وأمثاله؛ فكأنهم يعدونه من جملة الواضحات، وأرى الأمر بخلاف ذلك؛ إذ الاعتبار في الأعمال البدنية- بعد إخلاص النية، والسبب الباعث عليها- بكد العامل ونصبه، وامتداد زمان الأعمال، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (أجرك على قدر تعبك).

وإذا حملنا الحديث على المعنى الذي يقتضي التسوية بين العملين- أعني: الخروج إلى الحج، والخروج إلى الصلاة المكتوبة- أفضى ذلك إلى إهمال أبواب كثيرة من الأعمال، ومخالفة أحكام جمة من السنن، وأدنى ما فيه أن القصاص إذا ألقوا على العامة ظواهر تلك الأحاديث من غير بيان [٧٥/ب] وتفصيل دخل عليهم الدواخل من الشك والغرور والاكتفاء بيسير من العمل وغير ذلك مما لا يخفى على أرباب البصيرة بآفات النفوس وكنت أتعنى كثيرا باستنباط معاني أمثال هذا الحديث على وجه لا يخل بشيء من الأبواب التي ذكرناها فوقع لي أن النظائر التي يذكرها الشارع - صلى الله عليه وسلم - في أمثال ذلك أمثلة لبيان استكمال المثوبات واستيفاء الأجر من جهة التضعيف، لا لبيان المماثلة من سائر الوجوه.

وأمثال ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في فضل عشر ذي الحجة (يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة) أي ينتهي ثوابه ذلك من حيث التضعيف إلى هذا القدر، وبيان ذلك أن كل عمل له عند الله قدر مقدر من الثواب فهو مجازى عليه عشرا من ذلك القدر ثم فوق ذلك إلى ما لا سبيل إلى معرفته.

فقوله (يعدل صيام كل يوم بصيام سنة) أي ينتهي ثوابه من حيث التضعيف إلى مقدار من الثواب يوازي صيام سنة لم يدخله التضعيف. فبين - صلى الله عليه وسلم - مقدار الفضل الذي أوتيه هذا العامل بزمان العمل.

والمعنى: هذا العامل ينال من فضل ربه بهذا العمل في يوم واحد ما لو كدح فيه من طريق الكسب المجرد عن الفضل لم ينله إلا بصيام سنة.

ولما انتهيت إلى شرح هذا الحديث أعملت الفكر فيه أخرى فظفرت فيه بمعنى أظهر من الأول وهو أن نقول: شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - أجر المتطهر الذي يخرج من بيته للصلاة المكتوبة بأجر الحاج المحرم من حيث أنه يستوفي أجر المصلين من لدن يخرج من بيته للصلاة المكتوبة بأجر الحاج إلى أن يرجع إليه وإن لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>