للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا القسم وهو في المسجد فلا ينهى عنه لما يعلم في إنشاده من الغرض الصحيح والقصد المستقيم. ولما كان زمان عمر- رضي الله عنه- نهى حسان بن ثابت- رضي الله عنه- أن ينشد الشعر في المسجد وإنما كان ذلك نظرا منه إلى مصلحة الجمهور فإن أكثر الناس إذا أطيل لهم في هذا المدح أفضى بهم ذلك إلى الاسترسال في الخلاعة والمجون حتى يسقط عنهم التمييز بين المعوج والمستقيم والتفريق بين الغرض الفاسد والصحيح؛ وقد كان رضي الله عنه عارفا بزمانه عبقريا في شأنه ألمعيا في رأيه مصيبا في اجتهاده ولما عارضه حسان يقوله (لقد أنشدته بين يدي من هو خير منك) سكت عنه ولم يكن بسكوته ذلك لوضوح حق كان قد خفى عليه أو بذكر أمر كان ناسيا له بل سكوته [كان] إجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأدبا دون الرواية عنه بترك المعارضة، وإلا فقد كان عمر رضي الله عنه أعمره على ما كان عليه من النهي عنه؛ والصواب ما رآه، والحق ما ذهب إليه.

وفيه (وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة)، تحلق القوم أي: جلسوا حلقة حلقة. وإنما نهى عنه لمعنيين أحدهما: أن تلك الهيئة تخالف اجتماع المصلين كما نهى عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى الصلاة وذلك في حديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في الصلاة) كره - صلى الله عليه وسلم - أن يخالف هيئته هيئة المصلين، والآخر: أن الاجتماع للجمعة خطب جليل لا يسع من حضرها أن يهتم بما سواها حتى يفرغ منها وتحلق الناس قبل الصلاة موهم بالغفلة عن الأمر الذي ندبوا إليه والاهتمام بما سوى ذلك. وفي هذا توهين لأمر الدين وتعرض لسوء الظن.

[٤٩٩] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث قرة بن إياس المزني- رضي الله عنه: (من أكلهما فلا يقربن مسجدنا)، اختلف أهل العلم في المراد عن قوله: (مسجدنا) فمن قائل: إن النهي يختص بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، ومن ذاهب إلى أن النهي متعلق بعموم المساجد، فيكون المراد عن قوله: (مسجدنا) أي

<<  <  ج: ص:  >  >>