مسجد أهل ملتنا، وعلة النهي أن المسلمين يتأذون برائحتها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتطييب المساجد [٧٧/ب] وذلك خلاف المأمور، وهذا الوجه أولى الوجهين بالتقديم، ثم إنا نرى النهي في حق المساجد الثلاثة آكد منه في غيرها لما لها من الفضيلة على غيرها، ولاسيما مسجد المدينة في زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يشدد في النهي ويمنع مرتكبه عن حضور المسجد حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو قال فليعتزل مسجدنا.
[٥٠١] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل).
ربوض الغنم والبقر والفرس والكلب مثل بروك الإبل وجثوم الطير، والمرابض للغنم كالمعاطن للإبل واحدها مربض مثل مجلس، وأعطان الإبل: مباركها عند الماء لتشرب عللا بعد نهل، فإذا استوفت ردت على المراعي والأظماء)، وإحدها عطن، يقال له المعطن أيضا وجمعه معاطن، وفي غير هذا الحديث، (لا تصلوا في مبارك الإبل).
قلت: وقد تكلم على هذا الحديث جماعة من أهل العلم، فذهبوا في المبارك مذاهب مختلفة أضربنا عن تفصيل جملتها إذ لم نر في إيراده كثير فائدة ورأينا أن نذكر المختار منها فنقول- وبالله التوفيق: إن القوم كانوا أصحاب ماشية يفتقرون إلى القيام عليها لتعهدها وحفظها وحلابها، فإذا أدركتهم الصلاة [امتنعوا عن الصلاة فيها] لمكان النجاسة وإن وجدوا فيها مكانا طاهرا، فربما قاسوا حكم المكان الطاهر فيها على حكم المكان الطاهر في الحشوش، فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرخص لهم في مرابض الغنم ونهاهم عن معاطن الإبل؛ فعلموا أن حكم تلك المواطن مفارق لحكم الحشوش في جواز الصلاة، ثم أشار إلى علة النهي عن الصلاة في مبارك الإبل بقوله (لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين) والمعنى أنها كثيرة الشراد: شديدة النفار معها أخلاق جنية إذا نفرت لا يقوم لها شيء، وإذا صلى الإنسان في معاطنها لم يأمن أن تنفر فتقطع عليه صلاته، فعلمنا أن المنع من الصلاة في المعاطن لم يكن لم يكن لمكان أبوالها