وأبعارها وطهارة بعضها ونجاسة بعضها؛ لأن كل واحد من الجنسين مأكول اللحم فهما سيان في حكم الأبوال والأبعار، ولم يشترط في الصلاة في مرابض الغنم طهارة الموضع؛ لأنهم عرفوا ذلك بأصل الشرع.
ومن مباني ذلك الأصل حديث أنس- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(وجعلت لي كل [٧٨/أ] أرض طيبة مسجدا وطهورا) وإنما كانوا يتحرجون عن مجاورة النجس، فبين لهم الأمر فيها ورخص لهم بعضها لمكان الضرورة ونهاهم عن بعضها على وجه الكراهة لاحتمال أن تقطع الصلاة على من صلى دونها، وإنما قلنا إنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وليس في حديث أبي هريرة ذكر السؤال؛ لحديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة) ومعنى قوله فإنها بركة أي خيرها مرجو وشرها مأمون يقدر كل أحد على استيفاء منافعها، ولا يشق رد صولتها على أحد لسكونها وضعف حركتها. ومن زعم أن النهي إنما ورد في المعاطن ولم يرد في المرابض؛ لأن المعاطن تكون في سهول الأرض [والمغاني الخوارة] فلا يبين فيها النجاسة لكثرة ترابها فإنه تعمق وأبعد في المرمى وكذلك من زعم أنه أراد به منازل المسافرين التي يحطون فيها رحالهم لأن من عادتهم أن يكون برازهم بالقرب منها فيوجد هذه الأماكن في الأغلب نجسة؛ لأن طهارة موضع الصلاة قد عرفت بأصل الشرع؛ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار بعد النهي منها إلى علة النهي فقال:(إنها من الشياطين) فإن قال قائل زعمت أن علة النهي في أعطان الإبل ليست النجاسة فما تقول في المواضع المذكورة في حديث ابن عمر- رضي الله عنه- قبل هذا الحديث (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى في سبعة مواطن .. الحديث) أليست العلة في أكثرها النجاسة وقد عرف ذلك بأصل الشرع قلنا: قد بينا لك أن العلة في المعاطن لو كانت النجاسة لم يرخص لهم في المرابض أيضا؛ لأنهما سيان في هذا الحكم.
فأما العلة في المواطن الأخر المذكورة في الحديث فإنها مختلفة وسنذكر بيان ذلك فنقول وبالله التوفيق: أما المزبلة وهي موضع الزبل، والزبل: السرجين، من أخذ بظاهر اللفظ فإنه يذهب إلى أنه نهى عن الصلاة في الموضع النجس؛ لعدم الجواز وفيه نظر، إذ لو كان المراد منه ما زعم لكانت الحشوش أولى بالذكر؛ لأن الصلاة فيها غير محرمة إن وجد فيها مكان طاهر، ثم إن الأمكنة النجسة لا تنحصر في هذه المواضع المذكورة، فما فائدة الحصر وقد كان يكفيه أن ينهي عن الصلاة في الموضع النجس.
ومن سلك المسلك الذي سلكناه في معنى النهي عن أعطان الإبل فإن له أن يقول إنه نهى عن الصلاة في المزابل- وإن وجد فيه موضع خال عن الزبل أو بسط عليها بساط في المكان اليبس- لأن في ذلك