المثل به - والله أعلم - لأن الفساد إليه أسرع ونفج النار فيه أنفذ ليبسه وجفافه، وقد رأينا في الشاهد أن الجلد الذي يدبغ يفسده وهج الشمس بأدنى ساعة ويخرجه عن طبعه، ورأينا المدبوغ يقوى على ذلك للينه ثم إن الإهاب أشبه شيء في المماثلة بمسلاخ الإنسان المكتنف بدنه فصار التمثيل بالإهاب أبلغ في المعنى المراد منه للوجهين. والمراد من النار المذكورة في هذا الحديث نار الله الموقدة المميزة بين الحق والباطل التي لا تطعم إلا الجنس الذي بعد عن رحمة الله دون النار التي نشاهدها فهي وإن كانت محرقة بأمر الله وتقديره أيضا فإنها مسلطة على الذوات القابلة للحرق لا تنفك عنه إلا في الأمر النادر الذي ينزع الله فيه الحرارة عنها أو يدفعها كما كان من أمر خليل الرحمن صلوات الله عليه.
[١٤٨٦] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة:(ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ فأوكئ علينا أي: بخل ولما كان هذا الذي آتاه الله من فضله فوفقه لاستظهار كتابه نام عن تلاوته والقيام به، وبشكره ضرب له المثل بجراب المسك الذي يؤكئ عليه صاحبه أي يشد عليه بالوكاء فلا تفوح ريحه فيكون قد ضيع فائدته في حق نفسه، وبخل به على غيره ولم يكن ذلك لينقصه شيئا بل يكسبه حمدا وثوابا.
[١٤٨٨] ومنه: حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي (عليه السلام): (إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة)[١٧٦/ب].