للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وأنزلنا الحديد} وقال: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} فحمل الإنزال على معنى القضاء والقسمة.

ومنهم من ذهب فيه إلى معنى الخلق، ومنهم من أقام إنزال الأسباب فيها مقام إنزالها نفسها. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وهو أشد بياضاً من اللبن)، فمعناه أن الحجر كان من الصفاء والنورانية [على هذا النعت]؛ فسودته خطايا بني آدم، ومعنى هذا القول-والله أعلم- أن كون بني آدم خطائين مقتحمين على موارد الهلكات، اقتضى أن يكون الحجر على الشاكلة التي هو عليها من السواد لئلا يتسارع إليهم المقت والعقوبة من الله تعالى؛ فإن كل من شاهد آية خارقة للعادة، ثم بخس بحقها استحق الطرد من الله فأضيف التسويد إلى الخطايا؛ لأنها كانت (٣٧ ب/ج ٢) السبب في ذلك.

ومن الدليل على هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن [عمر]-رضي الله عنهما: (إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب) فالذي طمس نورهما هو الله سبحانه، حكمة بالغة منه في المعنى الذي ذكرناه. ثم لمعنى آخر؛ وهو أن كونه أتم فائدة في الحال المكلفين؛ لأنهم إذا عظموه حق تعظيمه من غير مشاهدة آية باهرة صح إيمانهم بالغيب، وذلك من أعلى مقامات أهل الإيمان، فيكون من أجدي الأشياء في محو الخطايا؛ لاقتضائها ذلك من طريق الحكمة. ولقد ذكر بعض الأصولية عن بعض الفضولية، بل عمن لا خلاق له في الدين- كلاماً في هذا الحديث لم يعد عليه بفائدة غير الإيهام بتوهين أمر الدين، والتصدي للطعن في صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيما نقلوه فعارضه بنقل عن محمد بن الحنفية-رضي الله عنه- وعن أبيه كبيت العنكبوت، زعم هذا القائل أن ابن الحنفية رد على ابن العباس حديثه هذا، ثم لم يقنع بهذا القول المنحول حتى كد قريحته السقيمة، وأعمل رويته الخبيثة، فقال: لو كان هذا الذي رووه من تسويد خطايا بني آدم الحجر واقعاً لتناقلته الأمم في عجائب الأخبار، ولقد أجبت عن ذلك كله في كتاب المناسك، وأعطيت القول في حقه في موضعين منه، ولم أر ترديد القول ههنا؛ إيثاراً للاختصار [والله أعلم]

[١٧٩٦] ومنه حديثه الآخر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: (ليبعثنه الله يوم القيامة ..) الحديث: البعث: نشر الموتى، ولما كان الحجر من جملة الموات وأعلم نبي الله أن الله قد قدر أن يدب له حياة يوم القيامة يستعد به للنطق، ويجعل له آلة يتميز بها بين المشهود له وغيره، وآلة يشهد به- شبه حاله

<<  <  ج: ص:  >  >>