للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولهذا الحديث تتمة من قول عكرمة، وهو أحد الرواة، عن الحجاج بن عمرو، وذلك قوله: (فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس، فقالا: صدق) وقد ذكر الشيخ أبو سليمان الخطابي عن بعضهم، ولم يسمه: أنه علل هذا الحديث بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: (لا حصر إلا حصر العدو)، فكيف يصدق الحجاج، فيما رواه أن الكسر حصر، وقد استغربت عن الخطابي - مع تقدمه في العلم والفهم، وتمسكه ببرده الاستقصاء أني استحسن استيداع ذلك بطون القراطيس، وهو قول غير سديد، ثم تعجبت من إيراده على سبيل الإجمال؛ فلم يحل عنه عقدة الإشكال، وذلك من قوله: (فكيف يصدق الحجاج [فتوهم] بعض الناس أن المراد منه الحجاج بن عمرو، ومعاذ الإله أن [٤٥/ ب] أن يرمي متدين بدين الإسلام أحدا من الصحابة بمثل هذا القول، فإنهم صدق إبرار وعدول مقانع، لاسيما فيما نقلوه من أمر الدين، ولو وهم أحدهم أو سها أو غلط، أو سمع ظاهر القول ولم يفهم باطنه فالأدب أن يحكي ذلك منه: ملتبسا بالتوفير والتبجيل حفظا لحرمة الصحبة.

وإنما المراد الحجاج الصواف، وهو أحد رواة هذا الحديث ذكره الترمذي فأثني عليه؛ فقال: وحجاج ثقة حافظ عند أهل الحديث.

ومما يدلنا على أن المعنى بما في كتاب الخطابي هذا الذي ذكرناه: أن الذي نقل قوله: أنكر تصديق ابن عباس الحجاج في حديثه؛ لما في حديث ابن عباس: (لا حصر إلا حصر العدو)، وهذا الذي أنكره ليس من حديث حجاج الأنصاري، وإنما هو من كلام الراوي عنه، وهو عكرمة، وفي بعض الروايات: عبد الله ابن رافع، وهو أصح الروايتين.

ولما كان هذا الحديث في أكثر كتب الأحكام مرويا عن حجاج الصواف، عن يحيي بن أبي كثيرة، عن عكرمة: ظن هذا القائل أنه تفرد به، وليس الأمر على ما توجه، فقد رواه عن يحيي بن أبي كثير - أيضا - معمر ومعاوية بن سلام، وروايتها عن يحيي عن عكرمة عن عبد الله بن رافع، عن حجاج المازني، مازن الأنصار: نحوه.

وقال البخاري: روايتها أصح.

قلت: وفي روايتها عن عبد الله بن رافع: (فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس، فقالا: صدق).

وأما في ما نقله عن ابن عباس: (لا حصر إلا حصر العدو): فقد نقل عنه في معنى [...] برواية الثقاة: ما يؤيد حديث الحجاج، روى الفريابي - عن سفيان الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم، عن (ابن عباس) (فإن أحصرتم) قال: من حبس أو مرض، قال إبراهيم: فحدثت به سعيد بن جبير قال: هكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>