للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها شيئًا ازدادتْ غُلْمَتُهَا، فإذا أخذتْ منها وأبقتْ، كان في ذلك تعديلًا للخِلقة والشَّهوة.

هذا مع أنَّه لا يُنْكَر أن يكونَ قَطْعُ هذه الجلدةِ عَلمًا على العبوديَّة، فإنك تجد قطْعَ طرفِ الأُذُنِ وكيَّ الجبهةِ ونحو ذلك في كثيرٍ من الرَّقيق علامةً لرِقِّهِم وعبودِيَّتِهِم، حتى إذا أبَقَ رُدَّ إلى مالكه بتلك العلامة، فما يُنكر أن يكونَ قطْع هذا الطرف عَلَمًا على عبوديةِ صاحبِه لله ـ سبحانه ـ حتى يَعرفَ الناسُ أنَّ من كان كذلك فهو من عبيدِ الله الحنفاءِ، فيكون الختانُ عَلَمًا لهذه السنَّة التي لا أشرفَ منها، مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل الشهوة!

وقد ذُكِرَ في حكمةِ خَفْضِ النِّساء: أنَّ سارةَ لما وهبتْ هاجَرَ لإبراهيمَ أصابَها، فحملتْ منه، فغارتْ سارةُ، فحلفت لتقطعنَّ منها ثلاثةَ أعضاء، فخاف إبراهيمُ أنْ تَجْدَعَ أنْفَهَا وتقطعَ أُذُنَيْهَا، فأمرَها بِثَقْبِ أذنيها وختانها، وصار ذلك سُنَّة في النساء بَعْدُ (١).

ولا يُنكر هذا، كما كان مبدأُ السَّعي، سعيَ هاجرَ بينَ جَبَلَيْنِ، تَبْتَغِي لابنها القُوتَ، وكما كان مبدأُ رَمْي الجِمَارِ حَصْبَ إسماعيلَ للشيطانِ لمَّا ذهب مع أبيه، فَشَرعَ اللهُ ـ سبحانه ـ لعبادِه تذكرةً وإحياءً لسنَّة خليله، وإقامةً لذِكْرِه، وإعظامًا لعُبوديَّته، والله أعلم.


(١) انظر: شعب الإيمان للبيهقي: ١٥/ ١٣٨، التمهيد لابن عبدالبر: ٢١/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>