للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك أجرى اللهُ العادةَ في إيجادِ ما يُوجِدُهُ من بين أَصْلَيْنِ، كالحيوان والنبات وغيرهما من المخلوقات. فالحيوان ينعقد من ماء الذكر وماء الأنثى، كما ينعقد النبات من الماء والتراب والهواء، ولهذا قال الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام/ ١٠١]. فإنَّ الولد لا يتكوَّن إلا من بين الذَّكَرِ وصاحبتِه. ولا ينتقض هذا بآدم وحواء ـ أبَوَيْنَا ـ ولا بالمسيح، فإنَّ الله ـ سبحانه ـ مَزَجَ ترابَ آدم بالماءِ حتى صار طينًا، ثم أرسل عليه الهواء والشَّمسَ حتى صار كالفخَّار، ثم نفخَ فيه الرُّوحَ، وكانت حواء مستلَّةً منه، وجزءًا من أجزائِه، والمسيحُ خُلِقَ من ماءِ مريمَ ونفخةِ الملك، وكانت النفخةُ له كالأبِ لغيرهِ.

فصل

(الأمر الثاني): أنَّ سَبْقَ أحدِ المائين سببٌ لشَبَهِ السابق ماؤه، وعلوَّ أَحدِهما سببٌ لمجانسة الولد للعالي ماؤه (١).

فها هنا أمران: سَبْقٌ وعُلُوٌّ، وقد يتفقان، وقد يفترقان؛ فإن سبقَ ماءُ الرجل ماءَ المرأة وعلاه، كان الولدُ ذكرًا والشَّبَهُ للرجل، وإن سبقَ ماءُ المرأة وعلا ماءَ الرجل كانت أنثى والشَّبَهُ للأم، وإن سبقَ أحدهما وعلا الآخرُ كان الشَّبَهُ للسّابق ماؤه، والإذكارُ والإيناثُ لمَنْ عَلا ماؤه.


(١) انظر المسألة في: التبيان في أيمان القرآن، ص ٥١٠ ـ ٥١٧، والطرق الحكمية: ٢/ ٥٨٤ ـ ٥٨٨، ومفتاح دار السعادة: ١/ ٢٥٨ ـ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>