للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يجتذبه من سُرَّته وهو ألطف شيء معتدل صحيح قد يصحُّ قلب الأم وعروقها الضوارب (١)، فهو شبيه بما يجتذبه من هو داخل الحمام من الهواء اللطيف المعتدل، ثم يخرج منه وهلة واحدة عريانًا إلى الهواء العاصف المؤذي.

وبالجملة فقد انتقل عن مألوفه وما اعتاده وهلة واحدة، إلى ما هو أشدُّ عليه منه وأصعب. وهذا من تمام حكمة الخلَّاق العليم، ليمرن عبده على مفارقة عوائده ومألوفاته إلى ما هو أفضل منها وأنفع وأوفق له.

وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق/ ١٩]. أي حالًا بعد حال (٢)، فأول أطباقه كونُه نطفةً، ثم عَلَقَةً، ثم مُضْغَةً، ثم جَنِينًا، ثم مولودًا، ثم رضيعًا، ثم فطيمًا، ثم صحيحًا أو مريضًا، غنيًّا أو فقيرًا، معافى أو مبتلى، إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه إلى أن يموت، ثم يُبعث، ثم يُوقف بين يدي الله تعالى، ثم يصير إلى الجنة أو النار.

فالمعنى: لَتَرْكَبُنَّ حالًا بعد حالٍ، ومنزلًا بعد منزلٍ، وأمرًا بعد أمرٍ.

قال سعيد بن جبير وابن زيد: لتكونُنَّ في الآخرة بعد الأولى، ولتصيرُنَّ أغنياء بعد الفقر، وفقراء بعد الغنى.


(١) أي الشرايين. انظر: قاموس الأطباء للقوصوني: ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(٢) قال ابن عباس: «لتركبن طبقا عن طبق» حالاً بعد حال. قال هذا نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري في التفسير، تفسير سورة الانشقاق: ٨/ ٦٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>