للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودمويًّا، أي: علقة، كذا وكذا يومًا، ولحميًّا، أي: مضغة، كذا وكذا يومًا، ثم أضعفوا ذلك العدد، وجعلوه وقت تحرك الجنين، وكذبوا في ذلك على الخلَّاق العليم في خلقه، كما كذبوا عليه في صفاته وأسمائه، فإن القوم لم يكن لهم نصيب من العلم الذي جاءت به الرسل، بل كانوا كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النساء/ ٨٣].

وما غاية ما يناله المنكِرُ (١) المعرِضُ عمَّا جاءت به الرسل، وغاية ما نالوا به علمًا بأمور طبيعيَّة فيها الحقُّ والباطل، وأمور رياضية كثيرة التعب، قليلة الجدوى. وأمورُ الهيئة باطلُها أضعافُ أضعافِ حقِّها، فأين العلم المتلقَّى من الوحي النازل إلى الظن المأخوذ عن الرأي الزائل؟ وأين العلم المأخوذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن الله عز وجل، إلى الظن المأخوذ عن رأي رجل لم يَسْتَنِرْ قلبه بنور الوحي طرفة عين، وإنَّما معه حَدْسُه وتخمينه؟ ونسبةُ ما يدركه العقَلاء قاطبة بعقولهم إلى ما جاءت به الرسل، كنسبةِ سراجٍ ضعيف إلى ضوء الشمس، ولا تجد ولو عُمِّرت عُمْر نوح مسألةً واحدة أصلًا اتَّفَق فيها العقلاء كلُّهم على خلاف ما جاءت به الرسل في أمر من الأمور البتة، فالأنبياء لم تأت بما يخالف صريح العقل البتة، وإنما جاءت بما لا يدركه العقل، فما جاءت به الرسل مع العقل ثلاثة أقسام لا رابع لها البتة: قسم شهد به العقل والفطرة، وقسم يشهد


(١) في «أ»: الكفر، وفي «ب»: الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>