للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما لفظُه الآخرُ: «فينفخُ فيه الروح، ويُؤمَرُ بأربعِ كلماتٍ» فليس بصريحٍ؛ إذِ الكلماتُ المأمورُ بها بعد نفخِ الروح، فإنَّ هذه الجملةَ معطوفةٌ بالواو، ويجوز أن تكونَ معطوفةً على الجملة التي تليها، ويجوز أن تكون معطوفةً على جملةِ الكلامِ المتقدِّمِ. أي: يجمع خلقه في هذه الأطوار، ويؤمر الملك بكَتْبِ رزْقِهِ، وأجَلِهِ، وعَمَلِهِ. ووسَّط بين الجُمَلِ قولَه: «ثم ينفخ فيه الروح» بيانًا لتأخُّر نفْخِ الرُّوح عن طَوْرِ النُّطفة والعَلَقَة والمُضْغَة. وتأمَّلْ كيفَ أتى بـ «ثمَّ» في فَصْلِ نَفْخِ الرُّوحِ، وبِالوَاوِ في قَوْلِه: «ويُؤمَرُ بأربعِ كلمات» فاتَّفَقَتْ سَائرُ الأحاديثِ بِحَمْدِ الله.

وبقيَ أنْ يُقالَ: حديثُ حذيفةَ يدلُّ على أن ابتداءَ التخليقِ عقيبَ الأربعينَ الأُوْلَى، وحديثُ ابنِ مسعودٍ يدلُّ على أنَّه عقيبَ الأربعينَ الثالثةِ. فكيف يُجْمَعُ بينهما (١)؟

قيل: أمَّا حديثُ حذيفةَ، فصريحٌ في كَوْنِ ذلكَ بعد الأربعين، وأمَّا حديثُ ابنِ مسعود، فليس فيه تَعرُّضٌ لوقتِ التصويرِ والتَّخْليقِ، وإنمَّا فيه بيانُ أطوارِ النطفةِ وتنقُّلِهَا بعد كلِّ أربعينَ، وأنه بعد الأربعين الثالثة يُنفخ فيه الرُّوح. وهذا لم يتعرَّضْ له حديثُ حذيفةَ، بل اختصَّ به حديثُ ابنِ مسعود، فاشترك الحديثانِ في حدوثِ أمرٍ بعدَ الأربعينَ الأُوْلَى.

واختصَّ حديثُ حذيفةَ بأنَّ ابتداءَ تصويرِها وخَلْقِها بعد الأربعين الأولى.


(١) انظر في هذا الجمع: طريق الهجرتين: ١/ ١٥٦ ـ ١٦٢، والتبيان في أيمان القرآن، ص ٥١٧ وما بعدها، وشفاء العليل، ص ٣٩ ـ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>