للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشكل الجمع بين هذه الأحاديث على غير واحدٍ من أهل العلم، فقالت طائفة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد هممتُ أن أَنْهَى عن الغَيْلِ» أي أحرِّمِه فأمنع منه. فلا تنافي بين هذا، وبين قوله في الحديث الآخر: «ولا تقتُلوا أولادَكم سرًّا» فإن هذا النهي كالمشورة عليهم، والإرشاد لهم إلى ترك ما يُضْعِفُ الولد ويقتُلُه (١).

قالوا: والدليل عليه: أن المرأة المُرْضِع إذا باشرها الرجل حرَّك منها دم الطَّمْثِ، وأهاجَه للخروج، فلا يبقى اللَّبَن حينئذٍ على اعتداله وطيب رائحته، وربَّما حبلتِ الموطوءةُ، فكان ذلك من شرِّ الأمور وأضرِّها على الرضيع المغتذي (٢) بلبنها، وذلك أن جيِّد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في الرَّحِمِ، فينفذ في غذائه، فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج إليه ملائمًا له لأنه متصل بأمه اتِّصال الغرس بالأرض، وهو غير مفارق لها ليلًا ولا نهارًا، وكذلك ينقص دم الحامل (٣)، ويصير رديئًا فيصير اللَّبَنُ المجتمع في ثديها يسيرًا رديئًا. فمتى حملت المرضع، فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها، فإنه متى شرب من ذلك اللبن الرديء قتله، أو أثَّر في ضعفه تأثيرًا يجده في كِبَرِهِ،


(١) انظر: زاد المعاد: ٥/ ١٤٧، وعقد الطحاوي بابًا في مشكل الآثار: ٩/ ٢٨٤ - ٢٩٤ لبيان «مشكل ما روي في الغَيْل من كراهة له، ومن همٍّ بنهيٍ عنه، ومن نُهي عنه، وما سوى ذلك مما كان منه فيه» فيحسن مطالعته.
(٢) في «أ»: المتغذي.
(٣) في «أ»: ولذلك ينقص دم الحائض.

<<  <  ج: ص:  >  >>